عبدالرحمن مغاوي

وهو في الثانية عشرة من عمره، وحين أكمل لتوه دراسةَ المرحلة الابتدائية، أصيب بالشلل الرباعي، وأصبح بقاؤه في مستشفى عسير ضرورة حياة:
فأي عزيمة، وأي أمل، وأي همة: تلك التي جعلته، وهو في هذه السن وفي تلك الحال، يقرر، وجسده المقعد محاصر بين أضلاع سريره الأربعة، أن يرتقيَ على كل مآسيه وآلامه، فيملأَ نفسه بالرضا التام بقضاء الله وقدره، ويعقدَ النية على أن يوسع مساحة سريره بطموحه وتفانيه؛ ليبلغَ بها ما يشاء، إن شاء الله، فيكملَ دراسته المتوسطة والثانوية، مستلقيًا على ظهره في المستشفى ست سنوات، تُقرأ له الدروس، وتُشرح له المواد، وتُتلى عليه الأسئلة، وتُسمع منه الإجابة، وتُسلم له شهادة النجاح في نهاية كل فصل، فيحتفلُ هو وروحه العظيمة، الساكنة في جسده العاجز، بلذائذ: قهر الظروف، وصناعة الفرص، واستيلاد الأحلام، وافتراع العقبات، وإطعام الطموح بنعائم الإنجاز والإعجاز.
ولأن ثواب الله كما قال الله: (خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ)
فقد شاء الله تعالى، وله الحمد، أن تبلغ قصةُ إصراره وعزيمته، إلى سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، الذي بادر بإطلاع الأنظار السامية لخادم الحرمين الشريفين على قصة هذا البطل السعودي العظيم، التي حظيت بتقديره الكبير.
ولم تمض ساعات، حتى صدر الأمر الكريم من سمو ولي العهد، بنقل عبد الرحمن إلى مركز عالمي متخصص، لعلاجه على نفقة الدولة، وتأهيله لإكمال دراسته الجامعية، ومواصلة طريق النجاح الذي بدأه، حتى يبلغَ أقصى ما ترجوه نفسُه المتوثبة، إن شاء الله تعالى، ليخلد اسمه في سجلات المكافحين الناجحين، الذين يحملهم الوطن بقيادته وشعبه: أوسمة شرفٍ وعزٍّ على صدره، وليكون، مع غيره من الأبطال، مضربًا للأمثال، ومنارًا في طريق الأجيال:

أسرج طموحَك واشمخ، أيُّها البَطَلُ

فالعجزُ يعجزُ، أن يثنيكَ، والشَّلَلُ

اشمخ فرُوحُك قد طارَت مُحلِّقةً

يسمو بها الخافقان: الصبرُ والأملُ

ولا تَلُم جسدًا حلَّت بداخلهِ

روحٌ تنوءُ بها الأعصابُ والعَضَلُ

واحمد جميلَ قضاءِ اللهِ حينَ غدا

في اللَّحمِ والعظمِ لا في الهِمَّةِ الخَلَلُ

وارقَ العُلا، واثقًا باللهِ، متَّشِحًا:

بـحُبِّ شَعبٍ بما أنجزتَ يَحتفلُ

بعزَّةِ الوطنِ المخضرِّ تملؤهُ

بكَ الحفاوةُ والإجلالُ والجَذَلُ

بوقفةِ الملكِ الأوفى، الذي شرحَت

بهِ الحياةُ لأهليها: مَن الرَّجُلُ

(سلمانُ) حصنُ المروءاتِ الجِلالِ بهِ

في كلِّ أمرٍ جميلٍ يُضرَبُ الـمُثلُ

بلفتةٍ مِن وليِّ العهدِ، ما شغلَت

فؤادَه عنك ما حاكَت لهُ الدُّوَلُ

(طَودٌ) سمَت عن عُواءِ الرِّيحِ قمَّتُه

والريحُ مهما عتَت يرسو لها الجَبَلُ

1440هـ أبها