أبي
هذه النفثات كتبتها في أيام مختلفة، وأنا أنظر إلى أبي في غيبوبته الأخيرة في مستشفى أبها الخاص، التي استمرت ستة أشهر، وانتهت بموته، رحمه الله
(1)
أبي كلُّ حزنٍ في غيابِكَ حاضرٌ
وكلُّ جميلٍ حينَ غبتَ قبيحُ
أبي كلُّ شيءٍ هاهنا عصفَت بِهِ
وبي وبنـيرانِ الصبابةِ ريحُ
(2)
صكَّت شوامخُ أبها وجهَ دهشتِها
لـمَّا رأت عجبًا من صنعِ باريها
رأتكَ مستلقيًا رهنَ الفراشِ بها
وأنتَ واللهِ أعلى قِمَّةٍ فيها
(3)
غابت بغيبتِكَ الأيامُ واحتجبت
كلُّ الأماكنِ عن روحي وعن بدني
أبي أنا ابنُكَ، قد خلَّفتَـني جسدًا
بلا مكانٍ من الدنيا ولا زمنِ
إن لم يكن فيكَ للظرفينِ متَّسعٌ
يا ظرفَ سعدِهما ماتا من الحزنِ
(4)
لا شيءَ يبهجُ نفسي في غيابِ أبي
فلتعذري القلبَ يا هتَّانةَ السُّحُبِ
قد كنتُ فيما مضى والروحُ في جسدي
من فرطِ رِقَّـتِها أهوى بلا سببِ
واليومَ حينَ توارت شمسُ طلعتِهِ
العينُ في ظُلَمٍ والقلبُ في حُجُبِ
(5)
برؤياكَ يجري محكمُ الشعرِ في دمي
وباسمكَ زاكي الذكرِ يزهرُ في فمي
فحبُّكَ تاريخي وقربُكَ سيرتي
وذكرُكَ بستاني ووجهُكَ مُلهمي
ولِـم لا وأنتَ الطُّهرُ والغُزرُ والندى
كأنَّكَ قد سُوِّيتَ من ماءِ زمزمِ
ولِـم لا وأنتَ الزَّهوُ والرَّهوُ والعُلا
كأنَّكَ من بدرِ السماءِ المتمَّمِ
ولِم لا وأنتَ الصفوُ والعفوُ والتُّقى
كأنَّكَ من نقلِ البخاري ومسلمِ
(6)
عيدٌ بغـيرِ أبي: ضِحكٌ بلا سببِ
عينٌ بلا هدبٍ، روضٌ بلا سُحُبِ
(7)
لستَ في غيبوبةٍ واللهِ وحدَك
كلُّ شيءٍ صالحٍ قد غابَ بعدَك
(8)
قل لمن غرَّتهُ نزواتُ الفُتوَّه
إنما دنياكَ ضعفانِ وقُوَّه
فاجعلِ القوَّةَ بِرًّا خالصًا
ليسَ إلا الـبرَّ معـنى للفتوه
1435هـ، أبها