قالت لحاسدها

ألقيت في حفل محافظة النماص وأهاليها في ساحة الاحتفالات الشعبية بجنوب المحافظة، بمناسبة اليوم الوطني، ثم أعيد إلقاؤها في احتفال نادي أبها الأدبي بالمناسبة نفسها

قالت لحاسدِها: بالغيظِ مُت كمدا

ها هم يزيدونني حُبًّا فزد كبدا

قداسةُ النُّورِ يا مغرورُ غالبةٌ

النارَ والحطبَ المحمولَ والمسدا

ولُـجَّةُ الحُبِّ في الأعماقِ باقيةٌ

فارحل وخُذ معكَ الأمواجَ والزَّبَدا

ارحل بليلِكَ واغرَق في غياهبِهِ

إنَّ النهارَ على أهدابِنا سجدا

دعـني هنا فالغدُ الكُبَّارُ يملؤنِي

عزمًا بـ(أمسي) و(يومي) جاءَ مُتَّقِدا

دعـني فإنَّ ارتواءَ الطينِ ألهمـني

خلقَ الحياةِ إذا ما قاحلٌ وأدا

دعـني فإنَّ ثَرى ذي الأرضِ ليسَ بهِ

شبرٌ لـمَن خان سِربَ الطِّينِ وانفردا

دعـني فإنَّ عداءَ الرِّيحِ علَّمـني

أن أحلِـبَ الـمُزنَ غيثًا كُلَّما نَهَدا

وأن أُزخرفَ من آهاتِ سانيتي

الحقلَ والأفقَ الـمُبتلَّ والغيدا

وأن أُعلِّقَ في أهدابِ سُنبلتي

سِراجَ (أمسي) لأُبقِي للحياةِ (غدا)

قالت وقد مشطَت ما كانَ مُنسَدِلًا

من المساءِ، وحلَّت منهُ ما انعقدا

ما كُنتُ يا حاسِدِي، واللهِ، ناقِضَةً

لأنِّي غزلتُ الرُّوحَ والجسدا

وبيعةُ الرُّوحِ للأجسادِ يكلؤها

(شيءٌ) مِن اللهِ فينا ينفُثُ الـمددا

وكيفَ ننقُضُها واللهُ عاقدُها

وليسَ ينقُضُ إلا اللهَ ما عقدا

وكيفَ نُسقِطُ غصنَ الخُلدِ مِن يدها

والفجرُ فوقَ أيادِينا يسيلُ ندى

وكيفَ نُغمِضُ عينيها وقد كَحَلت

عينَ الحياةِ بنورٍ أذهبَ الرَّمدا

وكيفَ نجحدُ في السَّراءِ سيرتها

ونحنُ، واللهِ، كُنَّا المتنَ والسَّندا

يَا راقصينَ على لحنِ الرَّخاءِ هُنَا

بالأمسِ كانَ عزاءُ الجُوعِ مُطَّرِدا

يَا رافلينَ بأزياءِ الأمانِ هُنَا

بالأمسِ كانَ عراءُ الخوفِ مُنفردا

فإن يكن أمسُ قد ولَّى، فَعَودَتُهُ

ذِكرى مِن اللهِ أو بَلوَى لـِمَن جَحَدَا

قالت وقد ضَفَرَت ما كانَ مجتمعًا

مِن الهزيعِ، ولـمَّت منهُ ما شردا

ما كنتُ يا حاسدي، واللهِ، ناصرةً

“سعدَ الفقيهِ” على نفسِي و”مجتهدا”

دَعني لبيعةِ “عبدِاللهِ” أحفظُها

وبـع ولاءَكَ في السُّوقِ الذي كسدا

للهِ ما أقربَ اللفظينِ إن نُطقا

لكنَّ بينَهما في دينِنا أمدا

(بيعٌ) تعاهدَهُ الشَّيطانُ مُبتسمًا

وقالَ في نفسِهِ: “لن تُفلِحوا أبدا”

و(بيعةٌ) قبلَ الرَّحمنُ دعوتها:

“يا ربِّ هيِّء لنا من أمرِنا رشدا”

دعني هُنا رغمَ أنفِ الرِّيحِ صامدةً

لو ينزعُ الـموتُ رُوحي ما نزعتُ يدا

غدًا سيشهَدُ عندَ اللهِ لي وطني:

أنِّي أنا سُقتُ أنفاسي إليهِ فدى

غدًا سيرفعُ ذكري عندَه: ألمي

للطهرِ، من دجلةَ الـحـرَّى إلى بردى

وأنَّ قلبي لقتلِ الـمسلمينَ بكى

حتى غدا الـحُزنُ في آفاقِهِ قِدَدا

وأنَّ من شرِّ أعدائي: أبا لهبٍ

والمالكيَّ ونصرَ اللاتِ والأسدا

غدًا سيشهدُ ماءُ النِّيلِ: أنَّ يدي

حمتهُ من رجسِ طهرانَ الذي وردا

قالت وقد سحبت ذيلَ الصباحِ على

دموعِها، وهفت للنُّورِ حينَ بدا

يا حاسدي: إنَّ نورَ الشَّمسِ راحلتي

فالحق مواكبَها إن تستطِع جلدا

إنِّي أنا وطنُ النُّورِ الذي ملأت

منهُ السَّماواتُ أفواهَ البلادِ هُدى

على جبيني لدينِ اللهِ مئذنةٌ

وبينَ جنبيَّ صُنتُ “البيتَ” و”البلدا”

وفي يدي وُلدَ التاريخُ مبتدئًا

وفيَّ تدفنُهُ الدُّنيا وما ولدا

كأنما أودعَ الرَّحمنُ في خلدي

سرًّا مِن الـمجدِ لـم يُخبر بهِ أحدا

يا حاسدي: إن يكُن ألهاكَ عن ألَقي

عدُّ العُيوبِ فهذا أسرُ من حسدا

هذي محاسنُ أيامي غلبتُ بها

ذرَّ الرِّمالِ فهل تُحصِي لها عددا

1434هـ، أبها