إخوان الرضاع
أطرِب بشعرِكَ كلَّ قلبٍ يا فمي
وانفثهُ في هذا البياضِ الأعظمِ
واعقد بأفئدةٍ صفا لكَ ودُّها
عقدًا من السحرِ الذي لم يحرمِ
وقِّع على وترِ القوافي نغمةً
عربيَّةَ المعـنى، عروبَ المعجمِ
وأدر زُلالَ عواطفٍ وقادةٍ
في نبضِ أوردةِ المساءِ المفعمِ
واشمخ بشعرِكَ ليس يُسرِجُ عزَّهُ
إلا اغترابُكَ في الزمانِ المؤلمِ
والعزُّ ليس بمنسبٍ أو منصبٍ
عزُّ العروبةِ في الكتابِ المحكمِ
هل كان يُذكرُ قبلَ دينِ محمَّدٍ
غـيرُ القصيدةِ في الخباءِ المظلمِ
كانوا إلى النسيانِ أقربَ أُمَّةٍ
فغدوا بذكرِ اللهِ ذكرَ الأنجمِ
(ديوانُ ندوتهم) تهدَّمَ ركنُهُ
لـمَّا أقامَ اللهُ (دارَ الأرقمِ)
ليسَ الحريرُ وإن غلت أثمانُهُ
يومًا بأقدسَ من إزارِ المحرمِ
ولربَّ رأسٍ في خِمارٍ أسودٍ
فدَّيتَهُ برؤوسِ ألفِ معمَّمِ
بالدينِ يغدو كلُّ شيءٍ جنةً
وسواهُ يحطبُ في حبالِ جهنمِ
ومن المحيطِ إلى المحيطِ يضمُّنا
قلبٌ بمكةَ نابضٌ لم يُهدمِ
ولنحنُ إخوانُ الرضَاعِ فكلُّنا
يومًا تراضعنا بثديي زمزمِ
ولسوفَ يعصفُ بالعدوِّ وجورِه
ثاراتُ آلامِ الصبايا اليتَّمِ
ولسوفَ ينقشعُ القتامُ ونرتوي
نورًا فملحمةُ الفدا لم تُختمِ
ستعودُ بغدادُ الرشيدِ رشيدةً
معصومةً هيَ والعلا كالتوأمِ
منصورةً، مهديَّةً، مأمونةً
ما ضرَّها جنكـيزُ وابنُ العلقمي
ستعودُ يا دنيا دمشقُ مهيبةً
تختالُ في حُللِ الوجودِ الأقدمِ
سيخرُّ في الأقصى جبينيَ ساجدًا
للهِ في ألقِ الحنينِ المضرمِ
أقوى من الدنيا ومن جبروتِها
حُبُّ الشهادة في فؤادِ المسلمِ
1434هـ، مكة المكرمة