شيب أبي

في الأمير فيصل بن خالد، أمير منطقة عسير، بعد تدخله لإنجاز معاملة انتقالي إلى جامعة الملك خالد، بعد أن ظلت معلقة عامًا ونصف، وكان والدي، رحمه الله، قد أصيب آنذاك بالسرطان، واضطررت لنقل أسرتي إلى أبها والبقاء وحيدًا في مكة

زرعتَ الحبَّ فيَّ وفي بنيَّا

فكم قد كنتَ بي وبهم حفيَّا

وشيبُ أبي الذي ناداكَ وهنًا

بلغتُ بُـنيَّ من كِـبَرٍ عتيَّا

جعلتَ بياضَهُ مشكاةَ بِرٍّ

جلت من غمِّهِ ليلًا دجيَّا

وأنتَ رددتـني لفؤادِ أُمِّي

على قدرٍ وقد أضحى خليَّا

فقرَّت عينُها من بعدِ حُزن

أغارَ فكانَ جبَّارًا عصيَّا

فليتكَ حاضرٌ ميلادَ صبحٍ

أعدتَّ بهِ الضحى لهما فتيَّا

فخرَّا يشكرانِ اللهَ لـمَّا

نشرتُ قميصَ بُشراكم عشيَّا

فكيف أقولُ؟ لو قدمتُ عمري

إليكم شاكرًا ما كانَ شيَّا

على أبويَّ من نعماكَ غيثٌ

وعندَ ابنيَّ فضلُكَ وابنتيا

وكم لكَ من يدٍ عندي أراقت

على وجهِ الدُّجى فجرًا نديَّا

بهِ استعمرتني وسبيتَ قلـبي

فلم أرَ مثلَهُ قلبًا سبيَّا

أَحَبَّكَ فِطرةً حُبًّا كـ(يحيى)

لهُ الرحمنُ لم يجعل سميَّا

كـ(يحيى) قد أخذتُ كتابَ حُـبِّي

لوجهِكَ سيِّدي أخذًا قويَّا

فكنتُ وكانَ حُبُّكَ فيَّ طبعًا

كأني قد خُلقتُ وأنت فِيَّا

ولي فيما تحبُ لسانُ صدقٍ

على عرشِ الكلامِ غدا عَلِيَّا

وكم عذراءِ شِعرٍ قد تأبَّت

عـلى الشعراءِ وانتبذت قصيَّا

نفثتُ لها شذا روحي فلمَّا

تمثَّلَ عندَها بشرًا سويَّا

بأمرِ اللهِ لانت لي فأضحت

على شفتيَّ إيقاعًا طريَّا

تلبسَ بي فلما اهـتزَّ قلـبي

تساقطَ نبضُهُ أدبًا جنيَّا

فمُر شعري بما تهوى فإني

ملكتُ لأجلكَ الفصحى صبيَّا

وفي أكنافِ حُبِّكَ أرضعتني

بثدييها المديحَ الفيصليا

وفي ديوانِ مجدِكَ علمتـني

دروسَ الحُبِّ سحرًا بابليَّا

فلا أحياني الرحمنُ إن لم

أكن لجميلكَ الأوفى وفيَّا

أُنَعِّم في مديحكَ كلَّ بيتٍ

دفنتُ بقلبه سرًّا خفيَّا

إذا حُسَّادُكَ استمعوه ماتوا

بنارِ الغيظِ أو خرُّوا بُكيَّا

سيعلمُ من يدندنُ كلَّ يومٍ

بملحونِ الكلامِ الغَثِّ غيَّا

بأنَّ لكلِّ فاتنةٍ فتاها

وأنَّ لكلِّ معجزةٍ نبيَّا

وأنَّ الناس ما هابوكَ خوفًا

وإن كنتَ الحسامَ المشرفيَّا

ولا رغبوا إليكَ رجاءَ فضلٍ

وإن علموكَ معطاءً سخيَّا

ولكن أبصروا عرشًا مهيبًا

وفي كرسيِّهِ عبدًا تقيَّا

رأوا دينًا، رأوا خلقًا عظيمًا

رأوا أدبًا، رأوا وجهًا رضيَّا

كأنَّ الله إذ خلقَ السجايا

براكَ على محاسنِها وصيَّا

لعمرُكَ يا ابنَ خالدَ إنَّ هذا

لَـمُلكٌ ما علمتُ له ضهيَّا

فلم يؤتَ التقى والحكمَ إلا

أثـيرًا عندَ خالقِهِ حظيَّا

فما زالت يدُ الرحمنِ تهمي

عليكَ رضا ودمتَ لهُ صفيا

بحبِّكَ لم يزل ديوانُ عمري

نقيًّا طاهرًا عبقًا زكيَّا

1430هـ، أبها