حليمة

ألقيت أمام الأمير فيصل بن خالد، أمير منطقة عسير، في حفل اختتام برامج خيمة أبها السياحية الدعوية الأولى 1430ه، بمقر الخيمة أمام مدخل حي المحالة بأبها

منارًا للهدى والمكرُماتِ

ومهوى للأئمَّةِ والدُّعاةِ

بفضلِ اللهِ ثمَّ بفضلِ بَرٍّ

ترعرعَ في محاريبِ التُّقاةِ

غدت أبها، فجلَّلها ضياءٌ

كوجهِكَ مفعمًا بالطَّيِّباتِ

حللتَ عسيرَ فانجذبت إليها

صنوفُ الخـيرِ من كلِّ الجِّهاتِ

بِنِيَّتِكَ الطَّهورِ جعلتَ أبَها

نواةَ الخـيرِ يا لُبَّ النَّواةِ

فحظُّ عسيرَ إذ وُلِّيتَ فيها

كحظِّ حليمةٍ في المرضعاتِ

بكَ اجتمعت لنا إذ سُدتَّ فينا

كراماتٌ بديعاتُ السِّماتِ

بنيتَ من القُلوبِ صروحَ حُبٍّ

تشيِّدها بحِلمكَ والأناةِ

وتَانِ الخصلتانِ علت وفازت

بُحبِّ اللهِ من بينِ الصِّفاتِ

بها اجتاحَ القَبائلَ مَوجُ عشقٍ

تدفَّقَ في تِهامةَ والسَّراةِ

بها اهـتزَّت قلوبُ الناسِ حُبًّا

نضيدًا مثلَ طلعِ الباسقاتِ

حدائقُه سماحًا منك تُسقى

بهتَّانِ العشيَّةِ والغداةِ

جنيتَ ثمارَها حُبًّا تَدَلَّى

إليكَ من القلوبِ اليانعاتِ

وَلِنتَ بِرحمةٍ لو كنت فظًّا

غليظَ القلبِ من جنسِ القُساةِ

لَـمَا اجتمعَ الأنامُ إليكَ شوقًا

ولَانفضُّوا ولاذوا بالشتاتِ

فكم من جامعٍ للنَّاسِ قهرًا

وهم من حُبِّهِ مثلُ العُرَاةِ

فقد هَتَفَت لصدامٍ ثنايا

ألوفٍ في العراقِ مؤَلَّفاتِ

مُحَاطًا إذ يروحُ وحينَ يغدو

بآلافِ الجنودِ من الفُداةِ

بأجسادٍ بنارِ الحقدِ ملأى

ومن نورِ المحبَّةِ خاوياتِ

فَلَمَّا استحكمت تركوه نهبًا

لماضٍ مُثخَنٍ بالمهلكاتِ

وقد أضحى هُتَافُ البعثِ فيهِ

سرابًا ضاعَ في ظمأِ الفلاةِ

فدائيُّوه باعوه ابتذالًا

ببخسٍ في مزادِ (الخردواتِ)

وأزبدَ بالبراءةِ منهُ حـتى الــ

ـقيامةِ ماءُ دجلةَ والفُراتِ

طـغى وبـغى، فطافَ على حماهُ

شَظًى من سُخطِ قَمَّاعِ الطُّغاةِ

وتابَ وآبَ، فامتلأت يداهُ

شَذًى من لُطفِ رَبِّ المكرُماتِ

فألهمَهُ الشَّهادةَ في نهارٍ

عبوسٍ قمطريرِ الوجهِ عاتِ

هداهُ لها، فأوقدَها أنيسًا

لهُ في عيدِهِ قبلَ الذَّكاةِ

رآها، والمنايا حالكاتٌ

فكان لها أدلَّ من القَطَاةِ

فهزَّ بها العراقَ ومقتداها

ونهريها وألويةَ الغُزَاةِ

فعادت دجلةٌ خجلى تغـنِّي:

«علوٌ في الحياة وفي المماتِ»&

وكم في طيِّ ذلكَ من دروسٍ

عظامٍ مُترَعاتٍ بالعظاتِ

بتقديرِ الحكيمِ عِظاتُ عِزٍّ

وَذُلٍّ فيهِ شبَّت كاللِّداتِ

ففيهِ لكلِّ جبَّارٍ نَذِيرٌ

بأنَّ اللهَ يعصفُ بِالبُغَاةِ

وفيهِ لكلِّ توَّابٍ بشيرٌ

بأنَّ اللهَ يمحو الموبقاتِ

تجرَّدَ من ثيابِ البعثِ يمحو

بها عبثَ السنينِ الخالياتِ

ولو قادَ الأُمورَ بَهَديِ دينٍ

بهِ قُدنا الحياةَ إلى الحياةِ

لَبارَكهُ (تباركَ) واصطفاهُ

فملَّكهُ القلوبَ النابضاتِ

كَمَا مُلِّكتَ في أبها قُلوبًا

بُحبِّكَ داهقاتٍ دافقاتِ

فَمُلكُ الحُبِّ كالجنَّاتِ تُسقَى

بأنهارِ الخلودِ الجارياتِ

وَمُلكُ الرُّعبِ (حاشاكم) بوارٌ

كبَذرِ الحَبِّ في الأرضِ المواتِ

ألا يا مالئًا أحضانَ أبها

بآياتِ السَّماحِ البَيِّناتِ

عسيرُ غدت لكم ديوانَ حُبٍّ

يسيلُ ندًى بأفواهِ الرُّواةِ

نَظَمتَ بهِ القبائلَ عقدَ وُدٍّ

جواهرُه وثيقاتُ الصِّلاتِ

فَقُم كالفجرِ واقطِف كلَّ قلبٍ

ولاءً منكَ يُهدَى للوُلاةِ

وَقُل يا خادمَ الحرمينِ: هذا

ولاءُ عسيرَ جاءكَ في ثباتِ

قديمٌ كالجَمالِ بوجنتَيها

مُقِيمٌ كالجبالِ الراسياتِ

صميمٌ كالرُّجولةِ في بنيها

حَميمٌ مثلُ ألحانِ الرُّعاةِ

وتشهدُ ذِي الخيامُ ومَن أَتاها

وما في ظلِّها من مُنجَزَاتِ

بأنَّكَ قد صنعتَ بنا دروعًا

على وطنِ الشريعةِ سابغاتِ

فَمُرنا بالَّذي تهوى فإنَّا

ندينُ ببيعةٍ حـتى الوفاةِ

لعبدِ اللهِ واثقةٌ عُرَاها

بأعناقِ الصناديدِ الثِّقاتِ

ونـبرأُ ،والـبراءةُ فرضُ عينٍ

علينا مثلُ برِّ الأُمَّهاتِ

من المستغربينَ أولي الدَّنايا

ومن أهلِ التّطرُّفِ والغُلاةِ

لأَنَّا أُمَّةٌ وَسَطٌ، خُلِقنا

لِهَديِ العالمين إلى النَّجَاةِ

إلى سُبُلِ السَّلامِ نَشقُّ فجرًا

بآياتِ الكتابِ المحكماتِ

وندعو النَّاس بالحسنى؛ لأَنَّا

نَخُطُّ خُطى الرَّسولِ الواثقاتِ

وتَتبَعُ خطوَنا الدُّنيا؛ لأَنَّا

تبعناكم عـلى دربِ الهُداةِ

بكم يا سادةَ الدنيا أُنِيخت

لِـمِلَّتِنا متونُ المعجزاتِ

بكم ولكم ومنكم كلَّ يومٍ

تزيدُ بهِ مراوغةُ الغُواةِ

سنلجمُ كلَّ شيطانٍ رجيمٍ

يشاغبُنا بـ(حيَّ عـلى الصَّلاةِ)

1430هـ، أبها

& مطلع قصيدة الشاعر العراقي أبي الحسن ابن الأنباري الشهيرة، في رثاء الوزير ابن بقية