إطلالة السعد
ألقيت أمام الأمير فيصل بن خالد، أمير منطقة عسير، في حفل أقامته اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم في منطقة عسير، في قاعة الاحتفالات الرسمية بمقر بالغرفة التجارية الصناعية بأبها
إذا ما بدا هذا الأمـيرُ المسدَّدُ
أحسُّ القوافي في دمائي تُزَغرِدُ
تُزَغرِدُ حبًّا وابتهاجًا ولهفةً
وقلـبي يُغَـنِّي والحنايا تردِّدُ
ولِم لا أغـنِّي والبلابلُ في فمي
على أيكِ حبِّ ابنِ الكرامِ تُغَرِّدُ
ولِم لا أغـنِّي سيدي وابنَ سيدي
وأنتَ سراجٌ بالعلا مَتَوقّدُ
سَقيتَ فؤادي بالعُلا فملأتَهُ
فأنتَ بقلـبي حاكمٌ مُتَفَرِّدُ
أحبُّكَ حبًّا لا يُباعُ فَيُشترى
وبعضُ الهوى بالمالِ يُشرى فينفَدُ
أحبُّكَ إخلاصًا، وقلبُك شاهدي
وَسَلهُ فإنَّ القلبَ للقلبِ يَشهَدُ
وأشهدُ عندَ اللهِ أن قد كسوتني
ثيابًا على طولِ المدى تتجدَّدُ
تراني فتدنيني إليكَ تواضعًا
وتسمعُ مـني حينَ أشدو وأُنشِدُ
وتلقى اشتياقي حينَ أهمي ببسمةٍ
بها كلُّ همٍّ في الحشا يتبدَّدُ
أَضَأتَ قناديلَ الأمانِ بخافقي
وقد كادَ يطفيها الزمانُ المعربدُ
رحلتُ وأقصاني زماني بجورِهِ
وعَودي على يمناكَ والعَودُ أحمدُ
وروَّيتَ روضي بعدَ أن جَفَّ نبعُهُ
فعادَ رطيبًا زهرُهُ يتورَّدُ
وقد كان شعري قبلَ لقياكَ هائمًا
على وجهِهِ في كلِّ وادٍ مشرَّدُ
فلمَّا تبدَّى نورُ وجهكَ مُشرِقًا
وأقبلَ فجرٌ بالجلالِ مُقَلَّدُ
تنبَّأتُ سحرًا في حمى سيفِ دولةٍ
عليهِ القوافي كلُّ بيتٍ مُحَسَّدُ
فَدُم يا (عليَّ) العزِّ يا (ذو فقارِهِ)
ويا سيفَهُ والفيصليُّ المهنَّدُ
سأملأُ ذا الدنيا اعترافًا بفضلِكم
وأُبرقُ في مُزنِ الوفاءِ وأُرعِدُ
سأخبرُ آفاقَ السماءِ بأنَّني
بيمناكَ يمنى العزِّ سيفٌ مُجَرَّدُ
سأكنزُ شعري في مديحِكَ جوهرًا
يسرُّ العلا ياقوتُهُ والزمرُّدُ
وأنـثرُهُ درًّا على كلِّ محفلٍ
بوجهكَ يا إطلالةَ السعدِ يَسعَدُ
فسبحانَ ربٍّ أودعَ الخـيرَ كلَّهُ
بوجهٍ بهِ كلُّ الفضائِل تُورَدُ
فكلٌّ يُرى في وجهِهِ طبعُ نفسهِ
ويُعلمُ من عينِ الفـتى ما يُخَلِّدُ
بطلعتِكم يا طاهرَ النفسِ أشرقت
عسيرُ وغشَّاها السَّلامُ المغرِّدُ
ألستَ ترى أبها تُعوِّذُ نفسَها
وتشكرُ من ولَّاكَ فيها وتحمدُ
نشرتَ عليها من ظلالِكَ قُبَّةً
مشرَّعةً خضراءَ بالعزِّ تُعمَدُ
كذلكَ هم آلُ السُّعودِ أئمَّةٌ
لهم فوقَ أهلِ الملكِ مجدٌ وسؤدَدُ
تسوسونَ بالرفقِ الأمورَ الـتي لها
تشيبُ نواصي الدهرِ، والدهرُ أمردُ
فليتَ عصا الحَجَّاجِ تعلمُ أنَّكم
بغـيرِ العصا تثنونَ من يتمرَّدُ
حكمتم برفقِ القادرينَ ولم يزل
لكم من قضاءِ اللهِ سهمٌ مسدَّدُ
ومن كانَ ربُّ العالمينَ نصيرَهُ
فما خانهُ رأيٌ وما أخطأت يدُ
ولا عجبٌ فيما أرى يا ابنَ خالدٍ
فأنتَ على كسبِ المعالي معوَّدُ
أطلَّ على الدنيا أبوكَ بوجهِهِ
فحلَّ عليها خـيرُهُ المتمدِّدُ
ومات فما ماتت منابعُ فضلِهِ
ولم ينقطع عنهُ الدُّعاءُ المهجِّدُ
وهل ماتَ من ربَّاك في روضةِ النَّدى
فأنتَ على سيماهُ خـيرٌ مجدَّدُ
فكلٌّ إذا ما ماتَ ماتَ سوى النَّدى
فإن النَّدى ما ماتَ إلا ويُولدُ
بكم وُلِدَ الجودُ الجديدُ وجُدِّدَ الـ
ـــقديمُ وركنُ الجودِ بالجودِ يُعضدُ
فأمسُكَ من جودٍ ويومُكَ من ندى
وآتيكَ في الآفاقِ عِزٌّ مؤكَّدُ
فَمَن كان يقضي في رضا اللهِ أمسَهُ
سيُبقيهِ في روضِ الرِّضا اليومُ والغدُ
تولَّيتَ في أبها الزِّمامَ فلم تزل
تقومُ بأمرِ اللهِ فينا وتقعدُ
وأجريتَ نهرَ الفضلِ والعدلِ مُترعًا
فما أحدٌ عن وردِهِ العذبِ مُبعَدُ
دعا لكَ أهلُ العلمِ في كلِّ منـبرٍ
وأمَّنَ في السجنِ السجينُ المصفَّدُ
أتيتَ تقودُ الأسخياءَ أولي النَّدى
إلى متجرِ الربحِ الذي ليس يكسُدُ
إلى متجرِ الرحمنِ واللهُ ضامنٌ
وهل بارَ بيعٌ في رضا اللهِ يُعقدُ
تهبُّ إذا نادى المنادي إلى النَّدى
كذلكَ قد كانَ الحبيبُ محمَّدُ
وإنَّكَ قد أحببتَهُ فاتَّبعتَهُ
على سنَّةٍ من جودِهِ تتعبَّدُ
سخيًّا رضيًّا تسبغُ الجودَ باسمًا
لعلمِكَ أنَّ اللهَ أسخى وأجودُ
وتُرغِمُ أنفَ المالِ في كلِّ مشهدٍ
سموًّا وشرُّ المالِ ما كانَ يُعبَدُ
وتُعرِضُ عن عذلِ العذولِ ولومِهِ
لخُـبرِكَ دنيًا ليسَ فيها مُخَلَّدُ
رسمتَ لمن رامَ السخاءَ خريطةً
لكَ السَّبقُ فيها والطَّريقُ الـمُعَبَّدُ
فإنَّ طريقَ الجودِ صعبٌ وإنَّما
يوفَّق للجودِ النَّقِيُّ الـمُؤَيَّدُ
فكلُّ كريمٍ في الندى تابعٌ لكم
يسيرُ على آثارِكم ويُقلِّدُ
تعدَّيتَ أسوارَ المآسي وليَلَها
ليُشرقَ بالآمالِ صبحٌ مُزَنَّدُ
وجاوزتَ أضلاعَ المساجينِ نافذًا
إلى كلِّ قلبٍ بالمآسي يُلبَّدُ
لتغرسَ في أعماقِهِ بذرةً بها
يُنَوِّرُ ريحانُ الصلاحِ الـمُخَضَّدُ
لتوقدَ في أرجائِهِ شمعةَ الهُدى
فيُهزَمَ ليلٌ كالحُ الوجهِ أسوَدُ
وطفتَ على أمٍّ كأنَّ فؤادَها
صفيحٌ بنـيران المآسي مُسَفَّدُ
لتملأَ عينيها ببشراكَ بعدَما
جثا سهرٌ في مقلتيها مُسَهَّدُ
وتغمرَ بالسلوانِ شِقوةَ والدٍ
بكى وبكاءُ الشيخِ أنكى وأنكدُ
سبقتَ بهذا كلَّ يمـنى كريمةٍ
تحاولُ أن تعلو علاكَ وتجهَدُ
خِصَالٌ شريفاتٌ تليقُ بسيدي
ومجدٌ على ثغرِ الحياةِ يُخلَّدُ
لهُ اختاركَ الرحمنُ من بينِ خلقِهِ
فأنتَ لهُ في كلِّ فضلٍ مُجَنَّدُ
فسِر يا حسامَ اللهِ في كلِّ رفعةٍ
ودُم في ذُرا الأمجادِ تعلو وتصعدُ
ودعـني أَسِيرًا في فؤادِكَ إنَّهُ
لأنعمُ لي من كلِّ شيءٍ وأرغدُ
ويا جابرًا كسرَ المساجينِ إنَّـني
سجينُكَ قيدي حبُّك الـمُتَجَدِّدُ
فشُدَّ وثاقي في ودادِكَ إنَّـني
بهِ نلتُ عزًّا باذخًا لا يُحَدَّدُ
فما زلتُ مأسورًا وما زلتَ آسري
وما زال قلـبي في هواك يُقَيَّدُ
1429هـ، مكة المكرمـة