شفق الحناء
ألقيت مع القصيدة السابقة أمام الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، في مدينة الأمير سلطان بن عبد العزيز الرياضية في المحالة بأبها، حيث احتشدت قبائل منطقة عسير لاستقباله
على جبينِ أبي تاريخُ أجدادي
وفيه مـيراثُ قومي رائحٌ غادي
أبي إلى يومِنا ما زالَ مُـتَّزِرًا
بـخنجرٍ من بقايا الفارسِ الفادي
ما زالَ يشربُ بعدَ الفجرِ قهوتَهُ
كالفجرِ محتبيًا في حصنِهِ العادي
ما زالَ بالسمنِ يُروي بُرَّ صحفتِه
ولم يجد في سواها لذَّةَ الزَّادِ
ما زالَ يغرسُ في جنـبي عمامتِهِ
شذًا من الـبِركِ والريحانِ والكادي
ولم يزل شَفَقُ الحِنَّا بلحيِتهِ
ذكرى من الشمسِ، تدفي شيبَهُ البادي
ولم يزَل كحلُه في عينهِ أَلَقًا
سباهُ من عينِ ليلِ القريةِ الهادي
ما زالَ يحفظُ أشعارًا معتَّقةً
من همهماتِ الصِّبا في مُنحـنى الوادي
وذلك المنحـنى، همهمتُ فيه أنا
وفيه عُلِّمتُ لحنَ الصَّادح الشادي
وجئتُ ملتحفًا من ذكرياتِ أبي
جَمالَ عزفي وتغريدي وإنشادي
بالأمسِ: كانت حقولُ القمحِ تأكلُنا
ونحن نأكلُها؛ حَبًّا بأجسادِ
بالأمسِ كان إلى أسوارِ قريتنا
مدى خيالي وأحلامي وأمجادي
بالأمسِ كان ظلامُ الليل يبلعُنا
معَ فوانيسِنا في جوفِهِ الصَّادي
واليومَ: ما عادَ حقلُ القمحِ سيِّدَنا
ولم نعُد بينَ حُرَّاثٍ وحُصَّادِ
فقد قهرنا ظلامَ الليلِ فانطلقت
أحلامُنَا فوقَ إبراقٍ وإرعادِ
لـمَّا انطلقنا وفينا من شوامِخنا
عِزُّ الجبالِ بلغنا كلَّ ميعادِ
فضلٌ من الواهبِ الرزَّاقِ هيَّأهُ
عـلى يدَي عابدٍ من نسلِ عُبَّادِ
(عبدُالعزيزِ) أهلَّ اللهُ غُرَّتَهُ
على العبادِ بإرغادٍ وإسعادِ
شيخٌ وُلِدنا جميعًا يومَ مولدِهِ
فنابَ ميلادُهُ عن كلِّ ميلادِ
وأنتَ منهُ، وفي يمناكَ قد نُسِخَت
جميعُ أيامِنا أيامَ أعيادِ
1427هـ، مكة المكرمة