فارس الأحلام

ألقيت في حفل تكريم الجرَّاح المشهور الأستاذ الدكتور محمد بن يحيى بن غرامه البكري الشهري في محافظة النماص بمناسبة حصوله على جائزة التميُّز، إذ اختير من أفضل ستة جراحين على مستوى المملكة، من قبل الجمعية السعودية للجرَّاحين، وقد حضر الحفل أبناء قبيلته الصغيرة (بني بكر) والكبيرة (بني شهر) والكبرى (رجال الحجر)، ومحبوه من منطقة عسير، والمناطق الإدارية الأخرى في الجنوب، وزملاؤه ومحبوه من جميع مدن المملكة، فالتأم حفل كبير تنوع حاضروه بتنوع دوافع حضورهم القبلية والعلمية والاجتماعية والنفسية والرسمية

سموتَ إليها فاقتطفتَ جناها

ونحنُ اقتسمنا فخرَها وسناها

قسمتَ لنا في جَنَّةِ الفخرِ روضةً

نبتنا جميعًا في خصيبِ ثراها

وفوقَ جناحيكَ الشغوفينِ بالذُّرا

بلغنا شماريخَ العُلا وذُرَاها

فإنَّا وإن كنتَ الذي قد سما لها

سموَّ عقابٍ عالمٍ بمداها

لنقتسمُ المجدَ الذي جئتنا بهِ

سواسيةً في هذِهِ وسواها

فإن قلت: من أنتم؟ فألفُ إجابةٍ

تَرَدَّدَ في جنـبيَّ رجعُ صداها

فنحنُ بَنُو بَكرٍ نسامِي بكَ السَّما

وزهوًا بناهي شمسَها وضحاها

ونحنُ بنو شَهرٍ بأمجادِ نَجلِنا

نفاخرُ بدرًا في السماءِ تلاها

ونحنُ بنو عَمرٍو بذكرِ ابنِ عمِّنا

نُعَطِّرُ أزهارَ الرُّبَى ونداها

ونحنُ رجالُ الحجرِ كلُّ قبيلةٍ

أضاءتكَ فجرًا في فؤادِ دُجاها

ونحنُ سَراةُ الأزدِ قد أدلجت بكم

وقد حمِدت في المدلجينَ سُرَاها

ونحنُ جنوبيون بَوصَلَةُ العُلا

بكَ اكتشفت نحوَ الجَنوبِ تجاها

ونحنُ سُعُوديون طابت رياضُنا

وبرهانُنا أن كنتَ أنتَ شذاها

ونحن شُعُوبُ العُرب تزدادُ لُحمةً

بمثلكَ في صرحِ النَّجاحِ عُرَاها

ونحنُ بنو الإسلامِ أمتُنا بكم

وأمثالِكم يشقى ألدُّ عِداها

صنوفُ انتماءاتٍ تفانت ببعضِها

يَلُفُّكَ في عُرسِ الطُّمُوحِ حِمَاها

من (القريةِ) الصُّغرى وفطرةِ أهلِها

إلى (الأُمَّةِ) الكـبرى بكلِّ رؤاها

دوائرُ أفراحٍ وفخرٍ تلاحقت

عـلى غُرَّةِ الإنجازِ أنتَ نواها

وذا اليومَ هاجتني مع القومِ نَشوتي

فَسُقتُ القوافي الواثقاتِ خطاها

وفي خَلَدي غَيثُ النماصِ وغيمُها

وفي داخلي وديانُها وقُراها

مع أهلِكَ الأدنينَ جئتُ وفي فـمي

نسائمُ هاتيكَ الرُّبى وصَبَاها

هنيئًا لكم من صَادِقِ الحُبِّ ما أرى

أرى باقةً في حبِّكم تتباهى

ومن بَسَماتِ الصاَّدقينَ دلالُها

ومن تهنئاتِ المخلصينَ حلاها

هنيئًا لكم، لا، بل هنيئًا لنا بكم

هنيئًا لأحلامِ القُرَى ومُنَاها

رأى فيكَ أبناءُ القُرى ابنَ قريةٍ

تزيَّا بثوبَي فقرِها وغِناها

بدا مثلَهم أيامَه في رحابِها

وساقَ بها أغنامَه ورعاها

وجازَ المدى فاجتاحَ كلَّ عصيَّةٍ

جموحٍ بآفاقِ الطُّموحِ يراها

فكلٌ يناجي فيكَ آمالَ نفسِهِ

ويبصرُ أحلامَ الصِّبا ويراها

تكادُ حُميَّا الفخرِ إذ شعشعت بهِ

يذيبُ ثقيلاتِ السَّحابِ لظاها

ويَلقى لما أنجزتَهُ أنتَ لذَّةً

يفوقُ ملذَّاتِ الحياةِ لماها

يُحِسُّ بها منسابةً في عروقِهِ

ولم يتعرَّف سِرَّها وخفاها

وعندي أنا فتوى خفاها وسرِّها

وفهَّمتُ قلـبي كُنهَها فوعاها

هنا في السفوحِ المشمخرَّاتِ عِزَّةً

بأسنمةِ الشُمِّ العظيمِ عُلاها

هنا اقتسمَ الجوعَ القديمَ جدودُنا

معًا وتساقوا بالكؤوسِ ظماها

وعاشُوا معًا في العسرِ واليسرِ إخوةً

تراضَوا عـلى نعمائِها وشقاها

إذا هطلت في أيِّ قلبٍ سحابةٌ

تقاطرَ في باقي القلوبِ حياها

هنا بقيَت أنسابُنا يعربيَّةً

بأسمائِها محفوظةً وكُنَاها

هنا بقيت بيضُ الوجوهِ نقيَّةً

شواربُها محميَّةً ولحاها

توارثَتِ الأجيالُ مِسكَ نقائِها

يفوحُ عتيقًا من زكِىِّ دماها

ألا تتسامى بعدَ هذا قلوبُنا

بفارسِ أحلامِ القُرى وفتاها؟

1427هـ، مكة المكرمة