سلامًا فهد
في رثاء الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله.
سلامًا (فهدُ) من ربٍّ رحيمِ
بدارِ الخُلدِ جنَّاتِ النَّعيمِ
سلامًا (فهدُ) في غُرُفاتِ أمنٍ
تطلُّ بها عـلى الخُلدِ المقيمِ
ترى الأنهارَ تحتكَ جارياتٍ
بلذَّتها عـلى وجهِ الأديمِ
فتطلبَها فتُسقى من رحيقٍ
خواتمُهُ من المسكِ الشَّميمِ
بهِ الولدانُ بين يديكَ تسعى
بآنيةٍ من الذهبِ الصميمِ
عـلى سُرُرٍ عليها دانياتٌ
قطوفُ الخُلدِ بالطَّلعِ الهضيمِ
تزيدُ عـلى أرائِكها صفاءً
مقابلةُ الـمُجالِس والنديمِ
وترفُلُ في لباسٍ من حريرٍ
وحسنٍ زاده هبُّ النَّسيمِ
وحورٍ قاصراتٍ في خيامٍ
مطنَّبةٍ من الدرِّ النظيمِ
ورضوانٍ من الرحمن باقٍ
ومغفرةٍ عـلى رزقٍ كريمِ
رثيتُكَ سيدي فرأيتُ قلـبي
تفاءَلَ في شجى الحدثِ الأليمِ
تفاءلَ في حشا الأحزانِ صبرًا
تفاؤُلَ صاحبِ الحوتِ المليمِ
وقامَ منادِيًا والقـبرُ بيـني
وبينكَ في دجى الليلِ البهيمِ
سلامًا قد أتيتَ اللهَ تسعى
بقلبٍ من هوى الدنيا سليمِ
ولم أحكُم بعلـمي فيكَ. لكن
بحسنِ الظنِّ في الـبَرِّ الرَّحيمِ
أشمُّ بشائرَ الغفرانِ مسكًا
تضوَّعَ في دمِ الخطبِ الجسيمِ
كريحِ قميصِ يوسفَ حين ألقوا
بهِ بُشرىً عـلى وجهِ الكظيمِ
فيا ملكَ الملوكِ أتاكَ فهدٌ
بلا خَدَمٍ ولا حَشَمٍ حشيمِ
تجرَّدَ من ثيابِ الملكِ عبدًا
وحيدًا من صديقٍ أو حميمِ
برحمتكَ استغاثَ فغثهُ منها
فأنتَ اللهُ، بالعفوِ العميمِ
ألا يا خادمَ الحرمينِ عزَّت
بعزَّتِكم يدُ الدينِ القويمِ
فكم ملكٍ تخبَّط في الحياة الـ
غَرورِ تخبُّطَ الغِرِّ الغشيمِ
وضلَّ عن الطَّريقِ الحقِّ لهوًا
وأنتَ على الصِّراطِ المستقيمِ
شهودُك يومَ تلقى الله فردًا:
جموعٌ بينَ زمزمَ والحطيمِ
وطيبةُ، والمصاحفُ سائراتٍ
إلى الآفاقِ بالذكرِ الحكيمِ
عليكَ سلامُ ربِّكَ من إمامٍ
كثـيرِ الذِّكرِ أوَّاهٍ حليمِ
شرُفتَ بخدمةِ الحرمين حـتى
وفيتَ فكنتَ ذا حظٍّ عظيمِ
ألِفتُكَ بسمةً ملأت فؤادي
سنىً من ذلكِ الوجهِ الوسيمِ
ألِفتُكَ سيِّدًا حُرًّا أبيًّا
عصاميًّا من النسجِ القديمِ
ألِفتُكَ عِزَّةً قعساءَ تأبى
مداهنةَ المنازِعِ والخصيمِ
فكم من فتنةٍ أذكت لظاها
مطامعُ كلِّ أفَّاكٍ أثيمِ
نفثتَ عـلى مواقدِها فماتت
كميتةِ عادَ بالريحِ العقيمِ
وكم عاداكَ فرعونٌ فنادى
(إلىَّ بكلِّ سحَّارٍ عليمِ)
فقمتَ تهزُّ سيفًا أرضعتُه
بثدييها عصا موسى الكليمِ
وتلقيهِ وباسمِ الله يسعى
فيخنسُ كلُّ شيطانٍ رجيمِ
ألِفتُكَ يا أبا الأيتامِ قلبًا
سقى من نبضِهِ أملَ اليتيمِ
فقدتُّكَ سيدي، فالقلبُ يرمي
سقوفَ الهمِّ بالنَّظرِ السقيمِ
سرى الحَزَنُ المشمِّرُ في دمائي
كمسرى النارِ في ظمأِ الهشيمِ
أحنُّ إليكَ يا إِلفِي وحيدًا
من الخلَّانِ في زمنٍ ذميمِ
كما حنَّت وتاقت واستجاشت
لثدي الأمِ أشداقُ الفطيمِ
أبا عبدِالعزيزِ غداةَ ساروا
بنعشِكَ نحوَ أضرحةِ الرَّميمِ
بكى مجدُ العروبةِ ثم نادى
(عليكَ سلامُ ربِّكَ من زعيمِ)
1426هـ، أبها