جُمادى
ألقيت أمام الأمير الوليد بن طلال، في فندق قصر أبها، في حفل وضع حجر الأساس لإسكانه الخيري في منطقة عسير، وكان ذلكَ في شهر جمادى الأولى
لشهرِ جمادى بينَ أشهرِنا سِرُّ
أحبًّا لنا، أم حاكَ في نفسِهِ أمرُ؟!
فإنَّ بأبها من عطاياهُ ريبةً
فما لجمادى بينَ عشاقِها ذكرُ
كذلكَ طبعُ الغِيدِ يبدينَ خيفةً
ولو أنَّ في أعماقِهنَّ الهوى جمرُ
بلا نظرةٍ خجلى، بغـيرِ ابتسامةٍ
ولا موعدٍ قد جاءها جودُهُ الغَمرُ
وأنجمُهُ عِقدٌ يطوفُ بجيدِها
وتستلمُ الخدِّينِ أيامُه الغُرُّ
قبيلَ ليالٍ من جمادى قليلةٍ
بأبها همى الغيثانِ: (سلطانُ)& والقطرُ
وذا اليومَ جاءت بالوليدِ ابتسامةٌ
من الدهرِ زفَّتها البشاشةُ والبِشرُ
أشهرَ جمادى قبلَ ذا العامِ لم يكن
يُطِلُّ بك الأضحى ويبتسم الفِطرُ
أأنت بأبها يا جمادى متيَّمٌ
وهذا الذي أعطيتَها كلُّه مهرُ
لقد كدتَّ أن تزهو على العامِ كلِّه
حليلًا لأبها كلِّها أيُّها الشهرُ
ولكنَّها يا واسعَ البذلِ تستحي
من اللهِ، فاعذرها ففي غـيرِكَ القَدرُ
وفي فمِها (يا مرحبًا)، لا تملُّها
تَنَافسَ في تكرارها الشفعُ والوترُ
فيا مرحبًا، تلقاكَ أبها وأهلُها
بها، يستوي في ذلك الشِّعرُ والنَّـثرُ
و(يا مرحبًا) في أيكةِ الحسنِ والسَّنا
على فننٍ يشدو بها السِرُّ والجهرُ
وما مرحبًا ترحيبةً قرويَّةً
لريحانها في كلِّ ناحيةٍ نشرُ
ورَدتَّ على أبها فأرخت لثامَها
مرحِّبَةً حبًّا، ومن حولِها الخِدرُ
فأبها، إذا ما فاخرت كُلُّ ثيِّبٍ
من الأرضِ كلِّ الأرضِ، حوريةٌ بكرُ
لها عرشُ حسنٍ تستوي فوقَ متنِهِ
يظِّلله سُحبٌ، ويحملُهُ صَخرُ
ولو لم تكن، ما خامرت قلبَ خالدٍ&&
ولا في ثواني عمرِها بُذِل العُمرُ
أبا بندرٍ ما ضاعَ إحسانُكم لها
ففي كلِّ شبرٍ من محبتِكم عطرُ
ثلاثينَ عامًا أو تزيدُ، وهبتَها
شبابَك، نعمَ الـبِرُّ يا أيُّها الـبَرُّ!
أفاقت بكم تلكَ الرُّبَى من سباتِها
كـبردِ النَّدى كم يستفيقُ بهِ الزَّهرُ!
أتاها قبيلَ الفجرِ سارٍ، فما بدا
على سفحِها إلا وفي يدِهِ الفجرُ
بمصقولِ مسئولٍ، ومرهفِ شاعرٍ ،
وصقرٍ جناحاه: التوكُّلُ والصبرُ
فما كَلَّ ذاك العزمُ من عهدِ فيصلٍ
إلى عهد فهدٍ يستظلُّ به العصرُ
بمملكةٍ أَولى العُداةِ بحربِها
وأبغضُهم في قلبِها الجهلُ والفقرُ
على رغمِ أنفِ الفقرِ والجهلِ والعَرَى
بمثلِكما، يا سيديَّ، أتى النصرُ
أبو خالدٍ يمناهُ في كفِّ خالدٍ
أخيهِ، وباليسرينِ يندحرُ العسرُ
وتغدو أماني كلِّ قلبِ حقيقةً
إذا ما التقى المالُ المباركُ والفِكرُ
وتطوى زماناتٌ فيُختَصرُ المدى الـ
طويلُ إذا ما امتدَّ بينَهما جسرُ
أمـيرَ الغـنى يمَّمتَ أبها وأهلَها
يقلُّك في أجفانِهِ الحُبُّ والـبِرُّ
أمـيرُ الرؤى حيَّا محيَّاك باسمِها
بفكرٍ سماويٍّ له كُشِفَ السترُ
أيا ضيفَ أبها بالنسائمِ والشذا
شدت لكَ من أبها مفاتِنُها الكـثرُ
أطل في رحابِ الحسنِ في صلواتِهِ
وقوفَك&&&، دينُ الحبِّ ليس به قصرُ
أيا ضيفَ أبها والقصائدُ رقيةٌ
بها من كرامِ النَّاسِ ينشرحُ الصدرُ
نظمتُ لكَ الحبَّ الأصيلَ قصيدةً
فلا تعجبنَّ اليومَ إن هالَكَ الشِّعرُ
أنا ابنُ أمـيرِ الشِّعرِ سيِّدِ عرشِهِ
وبعضُ علومي في مدارسِهِ السِّحرُ
وما طابَ إلا من بساتينهِ الجـنى
ولا حلَّ إلا من دواوينِهِ السُّكرُ
وقد قال: إن طلَّ الوليدُ فلا تقل
له (أنت بحرٌ) أو تناديه ( يا بحرُ)
فقد فاق أفعالَ البحارِ بفعلِهِ
وليدٌ له مدٌّ وليسَ لهُ جزرُ
بواحدةٍ يسقي عسيرَ وأهلَها
فكيفَ إذا جادت أناملُهُ العَشرُ
1424هـ، أبها
& إشارة إلى زيارة الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله، لأبـها قبيل زيارة الوليد بن طلال بأيام قلائل، وتزامنت زيارته مع موسم الأمطار في أبها
&& الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة عسير آنذاك
&&& كانت زيارةُ الوليد لأبـها مجدولةً من مكتبه ساعة واحدة لا غير من لحظةِ وصوله إلى لحظة رحيله