(أحاديثُ مقاومٍ عراقيٍّ مع نفسِه)
تأثَّرت فيها قافيةً وروحًا بملحمة (تونس) التي كتبها الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري أيام الحرب العالمية الثانية، تنظر في ديوانه (3/61-68)
أبا لهبٍ: تبَّت يداكَ نعم تبَّا أبا لهبٍ دوَّى الأذان بساحِنا أبا لهبٍ: فاصعد إلى كلِّ قمةٍ وكابر فأنتَ القاهرُ القادرُ الذي وهبتَ معاناةَ الحياةِ لشرقِنا فما الشرقُ إلا عُشَّ فقرٍ وذلةٍ قسمتَ فلم تظلم وعُدتَّ ممجَّدًا فمالكَ في هذا الوجودِ منازعٌ ولو أنَّ هذا الكونَ جافاك مرَّةً وكلُّ الشعوبِ الكادحاتِ على الضنى ضلالاً لنفسٍ سوَّلت لكَ ما أرى أبا لهبٍ ما ظنُّكم في قلوبِنا أَفِق إنَّ للميارِ في الشرقِ غضبةً هنا أمةٌ ما زالَ يهمي سحابُها هنا هِمَمٌ لا العمرُ ترجو امتدادَهُ هنا هِمَمٌ قد أنضجَ القهرُ عزمَها أبا لهبٍ نادِ الحشودَ لحربِها وأنفق عليها ما نهبتَ وكلَّما تهدِّدُنا بالحربِ والحربُ أمُّنا ألا قاتلَ اللهُ العراقَ وأهلَها ردي يا جنودَ اللهِ في كلِّ مصرعٍ ردي منهلًا قد قَرَّبَ اللهُ وردَهُ أبا لهبٍ: ما زالَ فينا محمَّدٌ أأتعسَ من ساقَ الجيوشَ لغزوةٍ أمالكَ فيما قد أصابكَ عبرةٌ أخوكَ أتى للبيتِ حتى يَهُدَّهُ أبا لهبٍ: هذا أخوكَ مجندلٌ ستأتيكَ يا طاغوتُ يومًا جنودُهُ فتملأَ أقطارَ السماءِ عليكُمُ هوَ (اللهُ) لا نرجو لدحرِكَ غيرَهُ أبا لهبٍ إنا رجالُ محمَّدٍ أتحسبُ أنَّا لم نرد ساحةَ الرَّدى وأن لم نُحاصر إذ يَدُ الشِّعْبِ قبضةٌ وأن لم تصم للهِ فيهِ قلوبُنا فأبدلَنا من طينِهِ ماءَ كوثرٍ أتحسبُ أنا لم نُرِ الأسرَ حِسبةً هنالكَ حدَّثنا القيودَ بدينِنا فإن تقتلونا: فالشهادةُ زينةٌ وإن تحرقونا: فالخليلُ إمامُنا وإن تصلبونا كلَّ يومٍ: فكلُّنا خبيبٌ دعا والجذعُ أمَّنَ خاشعًا دعا صادعًا بالحقِّ فانصدعت لهُ دعا وحبالُ الموتِ تلتفُّ حولَه فلم يبقَ مخلوقٌ رأى عزَّ موتِهِ وإن تأسرونا في غيابةِ يوسفٍ: بكى الذئبُ لـمَّا غابَ يوسفُ صادقًا وقد وكَلُوا للجُبِّ إخفاءَ نورِهِ أيخفونَ نورَ اللهِ واللهُ غالبٌ مساءٌ مضى يَعقوبُ أحزنُ ساهرٍ بكى ما بكى والجبُّ أسعدُ سامرٍ غَيابةُ جُبٍّ عانقت نورَ مرسلٍ تحيطُ بهِ من كلَّ جنبٍ ضنينةً وتأمرُ ماها أن يسيخَ بقعرِها فبينا تقضِّي العمرَ في طِيبِ صُحبةٍ أتى يطلبُ الماءَ المباركَ واردٌ أتوا يطلبونَ الماءَ والماءُ ظامئٌ فلو مُنعَ الغربُ المواردَ ما انثنى فهل علم الدالي بمن في دلائِهِ مضوا وفؤادُ الجبِّ نارٌ كأنَّهُ فساروا وإنَّ الدلوَ أشأمُ زائرٍ أبى اللهُ إلا أن يُتمَّ ضياءَه فساقَ إليهِ الدَّربَ والدَّلوَ خُشَّعًا فأُخرِجَ في دلوٍ وسارَ بنورِهِ ومكَّنهُ حتى غدَت مصرُ تحتَه وزُفَّت بأعطافِ القميصِ بشارةٌ إذا هبَّتِ الألطافُ في ساحِ صابرٍ أبا لهبٍ: هوِّن عليكَ فعندَنا لعمركَ قد كنَّا قليلًا عديدُنا فلا الأسرُ أوهانا ولا الجوعُ هدَّنا فكيفَ ونحنُ اليومَ مليارُ زفرةٍ ستقذفُنا يومًا براكينَ نقمةٍ أبا لهبٍ دقَّ الطبولَ لأمَّةٍ وخادع وخاتل واجعلِ الأمنَ حيلةً وإن مدَّ كلبٌ من كلابِكَ مخلبًا أبا لهبٍ: خنتَ العهودَ ولم تصن أتقتلُ من بالأمسِ كنتَ سميرَهُ أبا لهبٍ: قد كنتَ تعشَقُ عزفَهُ! أتقتلُ مصَّاصَ الدماءِ الذي بهِ وراودتَّهُ عن نفسِهِ فخلوتما وسلَّمكَ الأرضَ الـتي درَّ ضرعُها فهبكَ أرحتَ المسلمينَ بقتلِهِ ألا قاتلَ اللهُ الشعوبَ جميعَها إلهي وللمليارِ عندَكَ حاجةٌ وكعبتُك الغرَّاءُ تدعوكَ حولَها أناخوا مطاياهم ببابِكَ سُجَّدًا دعاؤهم في هدأةِ الليلِ ربَّنا فإنَّا بنو قومٍ حمت عرضَ دارِهم إلهي لأهلِ الكفرِ في الأرضِ دولةٌ عداءً لهذا الدينِ جاءت بكبرِها بأن ينزعَ الإسلامَ من كلِّ موطئٍ وإنكَ قد أمهلتَهم منكَ مهلةً بحكمتِكَ العُليا حكمتَ وما لنا اعـ فإن لم تكن يا فالقَ الحبِّ ساخطًا فعجِّل لنا البشرى إذا كنتَ راضيًا |
1423هـ، أبها