تأبَّط موتًا
ألقيت أمام الأمير خالد الفيصل في مسرح المفتاحة، في حفل افتتاح ملتقى الشباب الصيفي السابع بأبها
بأبها التقينا واللقاءُ بها يحلو
كما لذَّ للمهجورِ من خلِّه وصلُ
وما لذَّةُ اللقيا بأحضانِ غيرِها
كلذَّةِ لقيانا بها أيُّها الحفلُ
مع الحسنِ يحلو كلُّ شيءٍ ويُشتهى
وبالقبحِ لا معنى يُرادُ ولا شكلُ
فما مُتِّعت عينُ امرئٍ في منامِها
كما مُتِّعت في نومِها الأعينُ النُّجلُ
أحـتى الكرى ينساقُ في كلِّ مقلةٍ
فتونٍ، وأمَّا غيرُها فبهِ بخلُ
وما الكحلُ في العينِ المليحةِ زينةً
بل العينُ حسنٌ منه يكتحلُ الكحلُ
كذلك أبها جاءَها الحسنُ ساعيًا
وشُدَّ له من كلِّ ناحيةٍ رحلُ
يداعبُها الحسنُ الأنيقُ وينثني
على كدرٍ في كلِّ وعدٍ لها مطلُ
فحبُّ أميرِ الحسنِ حلَّ فؤادَها
فكانَ لها عن كلِّ شيءٍ بهِ شغلُ
هنيئًا لها قد جادَها العزُّ هاميًا
وفيهِ عطاءٌ من عزائِمكم جزلُ
يهيمُ بها قلبٌ لهُ المجدُ غايةٌ
ويرسو على برِّ الأمانِ بها عقلُ
أذقتَ الفراقَ المرَّ كلَّ مرارةٍ
بشَهدِ لقاءٍ فيه يجتمعُ الشملُ
بهِ كلَّ عامٍ للشبابِ قصيدةٌ
على وترِ العرفانِ يشدو بها الوشلُ
على عهدِنا جئنا ولاءً وطاعةً
لقادتِنا والقولُ يسبقُه الفعلُ
فدستورُنا الدينُ العظيمُ وإننا
لأن نتولى رفعَ رايتِهِ أهلُ
ولسنا؛ لأنَّا أُمَّةٌ وسطيةٌ،
نفرِّط في شيءٍ من الدين أو نغلو
تنفَّسَ صُبح العزِّ بين ضلوعِنا
بنورِ رسولِ اللهِ إذ وُضِعَ الحملُ
بهِ ولدَ الفجرُ الجديدُ، بهِ ابتدت
رسالتُنا العظمى، بهِ خُتم الرسلُ
بهِ عَقدَت روحُ السماءِ لقاءَها
معَ جسدِ الأرضِ الذي حلَّه المحلُ
ففُجِّرَ ينبوعُ الحياةِ بآيةٍ
من الوحي عندَ الغارِ واتَّصلَ الحبلُ
يسطِّرُها (جبريلُ) في غُرَّةِ الضحى
بنورِ علاها كلَّ حالكةٍ يجلو
وشَعَّ بنورِ اللهِ صدرُ محمدٍ
فَشَقَّ لمن عاداهُ عن صدرِهِ الرملُ
“محمدُ” أرسى في القلوبِ عقيدةً
وعلَّمنا أنَّ الولاءَ لها أصلُ
وأودعَ أجسادَ الذكورِ رُجولةً
إذا سيمت الجُلَّى بها يُعرَفُ الفحلُ
وخاضَ بهم في الأرضِ ملحمةَ الهدى
فأروى ثرى الأمجادِ من مزنِهِ وبلُ
على الأرضِ عاشوا في كفافٍ وعِفَّةٍ
وأرواحُهم عن كلِّ فوقٍ بها تعلو
وشدَّوا على الجوعِ الأليمِ بطونَهم
وسادوا، فهل أغنى عن الكافرِ الأكلُ
هو الدينُ يكسو أهلَهُ نورَ رفعةٍ
وسربلَ من عادى قداستَهُ الوحلُ
فيا رُبَّ ماشٍ بافتخارٍ وزينةٍ
وزهوٍ وأعلى ما يُرى (إذ مشى) النَّعلُ
ويا رُبَّ ذي طِمرٍ بتقوى فؤادِه
هنا فوقَ هاماتِ السَّحابِ لهُ نُزلُ
فقبرُ ابنِ مسعودٍ يُشِعُّ سعادةً
وقبرُ أبي جهلٍ به دُفِنَ الجهلُ
وأسمعَ آفاقَ الليالي آذانَنا
بلالُ فطابَ الأصلُ وارتفعَ الفصلُ
بهم بصرُ العليا بصيرٌ، وسمعُها
سميعٌ، سلوا الدنيا فنحنُ لهم نسلُ
من الشرقِ حتى الغربِ أبناءُ زمزمٍ
رضعنا بثدييها فنحنُ بها أهلُ
شبابٌ وهبنا اللهَ حبًّا نفوسَنا
لتحيا غِراسًا والسلامُ لها حقلُ
وبشرى لنا، إنا رجالُ محمدٍ
لأسلافِنا ما بينَ أظهرِنا مِثلُ
فمِنَّا هُمامٌ خامرَ الحبُّ قلبَهُ
فأُضمِرَ في قلبِ الصُّمودِ لهُ فِعلُ
وأَودعَ في جَفنِ المساءِ وصيةً
سمعنا فمَ الصبحِ المبينِ لها يتلو:
“أنا اسمي (سعيد الحوتريُّ) &، وشُهرتي
(تأبَّط موتًا) من دمائي لهُ نهلُ
مماتٌ بهِ موتُ الأعادي شهادةٌ
وبذلُ دمٍ للهٍ حقًّا هو البذلُ
بنا رأتِ الدُّنيا سرايا حِجارةٍ
ودبابةً في وجهِها يزأرُ الطفلُ”
رفعتُ بذا رأسي ونكَّستُ ناظرِي
وقد راعني من بعضِ أُمَّتِنا الخذلُ
بكى بعضُنا تمثالَ (بوذا)، وقدسُنا
لها كلَّ يومٍ بينَ أبنائِها ثُكلُ
وما ثَكِلَت أمُّ الرباطِ كفيصلٍ
حسامٌ من المولى بهِ يُصقَلُ الصقلُ
ولكنَّه ما ماتَ، ها هو بينَنا
يقامُ بهِ في أرضِنا الأمنُ والعدلُ
يدومُ افتخارُ الصقرِ ما امتدَّ نسلُه
ويبقى مضاءُ السيفِ ما بقيَ النصلُ
(ص د ي ق ي) أحقًّا أنني قد نطقتُها
ولم تتعثَّر بينَ أحرفِها السُّبلُ!
صديقي، أميري، دائمَ السيفِ إنَّني
أحبُّكَ لا هجرٌ يُطاقُ ولا عذلُ
من المتنبي جئتُ من نبضِ قلبِهِ
إليكَ لأنِّي من ملاحِمِهِ فصلُ
ولي منكَ مجدٌ لم يسطَّر لأحمدٍ
ولم يلقَهُ مِن سيفِ دولتِهِ قبلُ
أُحِبُّكَ لا خوفًا أنختُ محبَّتي
ولا طمعًا أطعمتُها، ولكَ الفضلُ
وعندي سؤالٌ حالمٌ بإجابة:
أقلبُكَ من حبي فديتُكَ لا يخلو
فذرَّةُ حُبٍّ في فؤادِكَ لامرئٍ
بها قلبُهُ عن كلِّ حُلمٍ له يسلو
1422هـ ، أبها
& الشهيد المجاهد الفلسطيني سعيد الحوتري، رحمه الله، منفذ واحدة من أدق عمليات اختراق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، عُرفت رسميًّا بعملية "الدولفيناريوم"، ووصفت إعلاميًّا آنذاك بأنها أشبه بالقصص البوليسية، وكانت من أهم أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية