مملكة الحزن

ألقيت أمام الأمير خالد الفيصل في الفرعاء في افتتاح مهرجان أبها السياحي، وتزامنت كتابة هذه القصيدة مع قدوم مولودين: ابني الأول (الطيب)، والانتفاضة الفلسطينية الثانية

إذا جنَّ ليلي فالمنامُ عسيرُ

أأسهرُ ليلي والفراشُ وثيرُ؟

نعم لا تنم ، قم نادمِ الشعرَ إنَّهُ

لمثلكَ إن جنَّ الظلامُ سميرُ

أفي كلِّ ليلٍ لي مع الشعرِ مجلسٌ

حزينٌ بهِ طعمُ اللقاءِ مريرُ؟

وأطرحُ جنبي واجمًا أرقبُ الكرى

وللشعرِ بينَ الجانبينِ هجيرُ؟

كذاكَ أُقضِّي العمرَ أطويهِ صابرًا

وللحزنِ من شعري عليَّ ظهيرُ

إذا حطَّ في ثغري بريقُ ابتسامةٍ

تُحِسُّ بحزني حولَها فتطيرُ

وليلةَ كادَ الأنسُ يطرقُ بابَنا

وبـ(الطيِّبِ) الميمونِ جاءَ بشيرُ

نظرتُ إليهِ وهوَ في المهدِ باكيًا

فأفسدَ لُقيانا، فقلتُ: صغيرُ

ولم تتجاسر بسمتي وانبرى الشَّجا

أتبكي من الدُّنيا وأنتَ غريرُ

فأهلاً وسهلًا يا بُنيَّ ومرحبًا

بدنيا بها عمرُ السرورِ قصيرُ

بمملكةٍ للحزنِ أسَّستُ عرشَها

أنا ملِكٌ فيها وأنتَ أميرُ

بُنَيَّ أترجو أن تكونَ مرفَّهًا

تُقَضَّى لك الحاجاتُ حينَ تشيرُ

وتحلمُ أن تلهو سعيدًا بدميةٍ

ودراجةٍ تسعى بها وتسيرُ

ومثلُكَ في الأقصى تمنَّى مسدَّسًا

ليحمي بهِ ذاكَ الحمى ويُغيرُ

يبيتونَ جوعى في العراءِ أعزةً

وأنتَ بأحضانِ الرخاءِ قريرُ

ألا كلُّ لهوٍ بعدَ هذا تخاذلٌ

وكلُّ متاعٍ يا بُنيَّ حقيرُ

فقد ضجَّ في الأقصى الشريفِ انتفاضةٌ

لها كلُّ طفلٍ عاشقٌ وسفيرُ

جهارًا يمنونَ النفوسَ شهادةً

وللمعتدي خلفَ الحديدِ هريرُ

وللمدفعِ الباغي نباحٌ وذلَّةٌ

ومن مقلعِ الرامي يضجُّ زئيرُ

لعمركَ ما رميُ الـملبِّينَ في منى

جموعًا لهم بالتلبياتِ هديرُ

بأعظمَ من رمي المحامينَ غيرةً

عن القدس والمولى بذاك بصيرُ

يوحِّدُ بينَ الرَّاميَينِ عقيدةٌ

ويجمعُ بينَ الرَّميتَينِ مسيرُ

فـ(إبليسُ) مِن رميِ الـمُلبِّينَ صاغرٌ

و(شارونُ) من رمي الحُماةِ حسيرُ

ويجمعُ بينَ القدسِ والبيتُ حرمةٌ

(مكبِّرُ) يرعى حقَّها و(ثبيرُ)

فيا قدسُ لا تحزن فحولُك ثُلَّةٌ

بعزَّةِ أولى القبلتينِ جديرُ

رجالٌ وأطفالٌ صغارٌ ونسوةٌ

فذلكَ روضٌ للجهادِ نضيرُ

سقته لكي يحيا دماءٌ زكيةٌ

فضاعَ بهِ مسكٌ وفاحَ عبيرُ

لشعبٍ على أرضِ الجهادِ مُرابطٍ

يفدِّي ثراها بالدما ويجيرُ

صبورٌ إليهِ الحربُ أحلى مِن الرخا

على أيِّ ذلٍ والمماتُ أثيرُ

فليسَ سِوى العزِّ المكينِ معيشةٌ

وليسَ سِوى الموتِ الشريفِ مصيرُ

وما عِيبَ شعبٌ للجهادِ مرابطٌ

بأن قيلَ: شعبٌ جائعٌ وفقيرُ

فجبريلُ يلقي الوحيَ في رُوعِ أحمدٍ

وما عابه أنَّ الفراشَ حصيرُ

وأسقطَ كسرى بالجهادِ وقيصرًا

وما عاقَهُ أنَّ الطعامَ شعيرُ

صدقت رسولَ اللهِ ها قد تكالبت

علينا أعادينا ونحنُ كثيرُ

فأعدادُنا كالرملِ في فلواتِنا

وموطنُنا رحبُ الرمالِ كبيرُ

ومليارُنا في الشرقِ والغربِ خاملٌ

نؤومٌ لهُ في الراقدينَ شخيرُ

وميدانُه المنصورُ فيهِ على العِدا

بغيرِ جدالٍ: سُفرةٌ وسريرُ

شكوتُ هوانَ المسلمينَ لواحدٍ

إليهِ أمورُ العالمينَ تصيرُ

غفا الناسُ والدنيا لدينا مفيقةٌ

وليسَ لنا في العالمينَ نظيرُ

فلما غفونا أيقظتنا عداتُنا

ومنزلُنا بينَ الشُّعوبِ أخيرُ

وكم غارةٍ شُنَّت علينا عظيمةٌ

لنا ناقةٌ في شنِّها وبعيرُ

إلى أن دها (شارونُ) & بالرِّجسِ طاهرًا

عليهِ مناراتُ الجلال تنيرُ

فأطرقتِ الدُّنيا لهُ عندما اشتكى

وناحَ على الطُّهرِ الشريفِ نذيرُ

بهِ بُعثَت من قبرِها نخوةٌ بها

تحرَّكَ في صمتِ الشعوبِ ضميرُ

وأُضرمَ في الأقصى لهيبُ انتفاضةٍ

وأُوقدَ من عزمِ الرجالِ سعيرُ

بشعبٍ لهُ في كلِّ يومٍ تغيظٌ

يزلزلُ أركانَ العدا وزفيرُ

جحيمٌ لهُ لفحٌ وطفحٌ وهيبةٌ

وقَعرٌ وجَمرٌ أحمرٌ وشفيرُ

وإن حسبوا شارونَ شيطانَ قومِهِ

ففي القومِ منَّا منكرٌ ونكيرُ

أيُنسى له عرضٌ بـ(صبرا) مُدنَّسٌ

ودمعٌ بأحداقِ الشيوخِ غزيرُ ؟

أينسى بـ(شاتيلا) دماءٌ شريفةٌ

وصرخاتُ غيدٍ طرفُهنَّ كسيرُ ؟

أيُبنى بمسرى خاتمِ الرُّسلِ هيكلٌ ؟

أنحيا وأولى القبلتينِ أسيرُ ؟

ألا ليسَ هذا في الحياةِ بكائنٍ

وإنَّا لجمٌ حاشدٌ وغفيرُ

فمكةُ والقدسُ الشريفُ وطيبةٌ

هواءٌ وزادٌ طيبٌ ونميرُ

ثلاثٌ لنا من دونِها ألفُ مصرعٍ

ومطلبُها قبلَ الفناءِ عسيرُ

ومركبُنا للعزِّ عودةُ ثلثِنا

وليسَ لنا في أن يُهانَ عذيرُ

سألتُك ربي أن يعودَ مُسَلَّمًا

فغربتُه طالت وأنتَ قديرُ

1421هـ ، أبها

& إشارة إلى تدنيس رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون لساحات المسجد الأقصى عام 2000م وانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية إثر ذلك