الفريق سعيد العمري
في رثاء جدي معالي الفريق سعيد بن محمد العمري، رحمه الله
دعِ العينَ تبكي ما أجلَّ بكاها
ولا تنهها إنَّ المصابَ دهاها
ففي الدَّمعِ للعينِ الحزينةِ سَلوةٌ
وذلكَ أدنى برِّها ووفاها
ودع نبضاتِ القلبِ تنفثُ جمرَها
بجسمِكَ حـتى تستلِذَّ جُذاها
ودع همَّكَ الغلَّابَ يقتاتُ مهجةً
تَشَبَّع حُزنًا لحمُها ودماها
وَأَرِّق لياليكَ الطِّوالَ مسهَّدًا
أتهجعُ عينٌ والمماتُ قذاها
فشمسُ (سعيدٍ) قد هوت من مكانِها
وفارقتِ الدنيا ومالَ ضحاها
وقد شيَّعوها بعدَ إِشراقِ نورِها
على كلِّ أرضٍ واكتمالِ ضياها
فتبًّا لدنيا قد تَبَسَّمَ ثغرُها
لنا ساعةً ثمَّ استطالَ أذاها
فيا قلبُ لا تجزع فكلُّ مصيبةٍ
من الدهرِ والصبرُ الجميلُ دواها
ألم ترمِكَ الدنيا بموتِ أحبَّةٍ
بهم طابت الدُّنيا وفاح شذاها
بلى، قد رمت قلبي فألفتهُ صابًرا
وهمَّت عيوني بالبكا فنهاها
ولكنَّهُ لـمَّا أتاني مماتُهُ
ودثَّرَ نفسي هدَّها وبراها
فيا أبا عبدِاللهِ كيفَ تركتَنا
يتامى بدنيا كنتَ أنتَ أباها
أترحلُ؟ قل لي: من تركتَ لأسرةٍ
بنت بِكَ عِزًّا فاستقامَ بناها
لدارِكَ من بعدِ ارتحالِكَ وحشةٌ
كستها ثيابًا من ظَلامِ دُجاها
وكانت بكَ الدارُ الكئيبةُ جَنَّةً
بكَ امتلأت حُسنًا وطابَ جناها
عليكَ سلامُ اللهِ كيفَ تركتَها
وأنتَ على مَرِّ الزمانِ سناها
كأنَّكَ لم تمكث على الأرضِ ساعةً
ولم تتسنَّم عزَّها وعُلاها
ولم تمسكِ العلياءَ حتى أنختَها
ولم تثنِها حتى ركبتَ ذُراها
ولم تتزعَّمها جيوشًا عظيمةً
لتعقدَ بالنَّصرِ المبينِ لواها
كأن لم تكن أغلى وأعلى مكانةً
وأعظمَ وجهًا في الرجالِ وجاها
فكم كنتَ عِزًّا شامخًا في قلوبِنا
رفعنا بهِ في العالمينَ جِبَاها
وكم مُلِئَت منكَ المجالسُ هيبةً
وكم كنتَ ذكرًا والجميعُ شفاها
وكم مَلِكٍ جاهدتَّ في ظلِّ ملكِهِ
فكنتَ يدًا لا يستباحُ حماها
وكم فتنةٍ ألقاكَ في جوفِ ثغرِها
فألجمتَ بالموتِ المحقَّقِ فاها
وكم من عداةٍ منكَ شابت عيونُها
وفارقها عندَ الهجوعِ كراها
وها أنتَ قد فارقتنا يا حبيبنا
وفارقت دنيانا فزال بهاها
وزارتكَ أحكامُ المنونِ عجولةً
ببابِكَ ألقت رحلَها وعصاها
بنفسي ذاك الوجهَ هل وُسِّدَ الثرى
وهل أغمضت نجدٌ عليهِ صلاها
أتته يدٌ لم يستطع أن يردَّها
وكم من يدٍ من قبل ذاك ثناها
وهل أخطأت يومًا من الدهرِ رميةٌ
إذا كان ربُّ العالمينَ رماها
إلى الله أشكوها وأرفعُ شأنَها
ونارًا تجلَّى في الفؤادِ لظاها
وهل خُسِرَت بلوى من الدَّهرِ ردَّها
إلى اللهِ عبدٌ صابرٌ وشكاها
فأحسن إلهَ الكونِ فيه عزاءَنا
وأحسن لساداتِ الرِّجالِ عزاها
وعوِّض رجالَ الأرضِ فيما أصابها
فقد عقمت عنهُ بطونُ نساها
وأسكنه جناتٍ من الخُلدِ رحبةً
ينعَّمُ في أفيائِها ورباها
مضى طاهرَ الأكفانِ عنَّا ونفسُه
قد استكملت في العزِّ كلَّ خطاها
فإن ظفرت نجدٌ بمجدِ احتضانِهِ
فقد ضمَّ (عبدَ اللهِ) & قبلُ ثراها
وضمَّت (سُعُودًا) في ثراها و(سارَةً) &&
فكم من مماتٍ بالكرام سقاها
أجدَّاهُ ماتت قبلَ موتكَ حُرَّةٌ
لأجلكَ أفنت شيبَها وصِباَها
شريكةُ عمرٍ أسكنتكَ فؤادَها
وأرضتك حقًّا واشتريت رضاها
فإن لم تودِّعها قبيلَ مماتِها
لعلَّكَ في دارِ الخلود تراها
صبرنا ونارُ الحزن تكوي عيونَنا
وأفئدةً ربُّ العباد يراها
مجرَّحةً إن فارقتها مصيبةٌ
أتاها سريعًا غيرُها وسواها
وتلكَ هي الدُّنيا غَرورٌ متاعُها
ودارُ ممرٍّ لا يدومُ صفاها
حياةٌ كمن في الرَّملِ خطَّ كتابةً
وعاثَ بها من حينِهِ فمحاها
بكيتُ بها والعينُ تخفي دموعَها
وتسترُ في جوفِ الظَّلام بكاها
وكم عَبرةٍ في جوفِ قلبي بكيتُها
وإن لم يبن في الوجنتينِ نداها
1420هـ، أبها
& الشيخ عبد الله بن محمد العمري، الشقيق الوحيد للفريق سعيد العمري، غلب عليه لقبه (الخَسَف)، من الأجواد المقدمين، كان صاحب جاه قبلي عريض، مات ودفن في الرياض عام 1398ه، رحمه الله
&& (سعود) ابن الفريق سعيد العمري، مات قبله ودفن في الرياض، و(سارة) بنت حسن العمري حرم الفريق سعيد العمري، ماتت قبله بزمن يسير، ودفنت في الرياض أيضًا، وكان قبل موته يوصي بها خيرا؛ ولم يعلم أنها قد سبقته، رحمهم الله جميعًا