حِجَّةُ الهوى

عـلى خدِّ التسامُحِ والتصافي

كتبتُ بقبلةِ الحُبِّ اعترافي

ومن نبضي نشرتُ عليهِ عذرًا

أجلَّ من الطَّهارةِ والعفافِ

أعودُ مكبَّلًا بقيودِ ضعفي

لأجثوَ في محاريبِ التَّصافي

كسيرَ الطَّرفِ أشربُ ذلَّ قلـبي

وأملأُ من دواهقِهِ القوافي

لَعَمرِي إنَّ حُـبِّيَ قد سقانى

هوىً أنكى من السُّمِّ الزُّعافِ

هوى في وهمِهِ للقلبِ مأوىً

نسيتُ بحضنِهِ دِفءَ اللِّحافِ

شربتُ لظاهُ مختارًا مطيعًا

فيا لَلبيعِ من بيعٍ جُزَافِ

وردنا للهوى نهرًا غزيرًا

ولا حتى هممنا باغترافِ

وعدنا عن مواردهِ عَطاشَى

نُعَذَّبُ قائمينِ عـلى الضِّفافِ

نرى ماءَ المحبةِ سلسبيلًا

بداخلِنا ونغرقُ في الجفافِ

تلَبَّسِني الهوى واحتلَّ قلـبي

فسربلَ كلَّ عرقٍ بارتجافِ

وآمنَ بي ضُحىً فأقامَ عندي

ليَعمُرَ ليلَ قلـبيَ باعتكافِ

ويُحرِمَ كلَّ يومٍ باعتمارٍ

ويَرمُلَ حولَ قلـبي بالطَّوافِ

وزمزمُه دمٌ في الجوفِ يغلي

تَضَلَّعَ منهُ، لا شربَ الكفافِ

ويسعى ثَمَّ بينَ (صفا) وفائي

و(مروةِ) خافقٍ كالبدرِ صافي

ولكن لا جمارَ بهِ فتُرمى

ولا حِلٌّ من الإحرامِ كافِي

بهِ عرفاتُ عشقٍ شاسعاتٌ

وجمرٌ بالتهابِ الحُبِّ ضافِي

تبيتُ بهِ (مُـنىً) مترقباتٌ

لعلَّ الفجرَ يأذنُ بازدلافِ

وما ضحَّى الغرامُ بمثلِ قلـبي

مع أهلِ النجَّائبِ والخرافِ

رأيتُ الحُبَّ حَجًّا سَرمَدِيًّا

مشاعرُهُ البحارُ بلا مرافي

بهِ أبحرتُ أنشرُ من حنيـني

شراعًا لاطمًا وجهَ السَّوافي

وَفيَّ القلبِ تختلفُ اللَّيالي

ولم يُوصَف وفائي باختلافِ

معَ خلٍّ يديمُ الهجرَ قصدًا

ويقسمُ أنَّهُ بالعهدِ وافي

وفي أُذُنَيهِ وقرٌ من دلالٍ

وُحقَّ لها! فصمَّت عن هتافي

ولو سألَ الحبيبُ سوادَ عيـني

ولم يرفع لنا طَرَفَ السِّجافِ

لأنساني الغرامُ حروفَ شعري

فلا يبقى سوى (ل) و (ك)

فهل يأتي القضاءُ لنا بيومٍ

مغيثٍ بعدَ أعوامٍ عِجَافِ!

1420هـ، أبها