فِرار

هذه القصيدة جواب رسالة شعرية بعث بها إليَّ صديقي د. محمد بن علي الحازمي حين أرقت كأسًا من الشاي، قال فيها:

أحـيي أخي العمريَّ عاشَ مكرَّما

ودونكَ يا صاحِ الخطابَ منظَّما

وأهرقت كوبَ الشاي يا صاحِ فجأةً

فصبَّ على الماساتِ ما يشبهُ الدَّما

ألم ترَ أن الشايَ خطَّ رسالةً

تقول: هوى العُزَّابِ كالليلِ أظلما

فيُعشِي من الأبصارِ ما كانَ ثاقبًا

ويُشعِي من الأكوابِ ما كان مفعمَا

تبيتُ تناجي النفسَ بالوصلِ واللِّقا

تناديه ولهانًا يجيبُكَ أبكما

ترتِّبه قربًا يفاجيك بعدُهُ

وتعصرُهُ شهدًا فتحسوه علقما

تعلِّلُ قلبًا في لقاءِ قرينةٍ

وتُغرِقُ نفسًا في عسى ولعلَّما

وشوقٍ سرى في القلبِ أدنفَ مهجةً

وهيَّجَ أشـجانًا وأشجى وتيَّما

سلامي عـلى المتبولِ يا طولَ صبرِهِ

وحسبي على المسؤولِ ما كان أظلما

إلـهي عجِّل بالتمامِ فنلتقي

سألتُك ربي كنت أعـلى وأكرما

فقلت أنا:

إلى القلبِ لا للعينِ ينتسبُ العـمى

فكيفَ إذا أضحى الفؤادُ متيَّما

أراعكَ مـني أن أرقتُ زجاجةً

بها خدُّ محبوبي تحصَّن واحتـمى

رأيتُ احمرارَ الكأسِ فاشتقتُ لثمَهُ

ففرَّ عفافًا مثلَها وتكرُّما

سرى بي خيالُ العشقِ والكأسُ في يدي

فصوَّره خدًّا أسيلًا منعَّما

وما أنا في الدُّنيا بأوَّلِ عاشقٍ

تراءى لهُ طيفُ الأحبِّةِ مثلما

تراءى بريقُ السيفِ في عينِ عنـترٍ

بريقَ الثَّنايا فاستعدِّ ليلثما

فإمَّا ترى العَمرِيَّ أبدى ابتسامةً

ففي جوفِهِ نارٌ تذيبُ التبسُّما

أجَدِّدُ في ثغري بريقَ ابتسامتي

وأرشفُ أحزاني إذا الليلُ أظلما

وأبدو أمامَ الناسِ والحزنُ في دمي

ببسمةِ ثغري كي يوارى، ملثَّما

فَرِشنِي إذا جَنَّ الظلامُ بدعوةٍ

فديتُكَ شيخي قبلَ أن أتصرَّما

1419هـ، أبها