تنور الحب

ألقيت أمام الأمير فيصل بن خالد، أمير منطقة عسير، في مسرح المفتاحة بأبها، ضمن احتفال أهالي منطقة عسير بعودة الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، من رحلته العلاجية

كشمسِ الضُّحى تُجلى بها الظُّلمَاتُ

كبدرِ الدُّجى تَزهو بهِ السَّمَواتُ

بدا وجهُ عبدِ اللهِ فاتَّشحت بهِ

مسرَّاتُنا وازدانتِ البسماتُ

كغيثِ السَّما تحيا بهِ كُلُّ بُقعةٍ

وتُزهِرُ في إِقبالِهِ الفلواتُ

هـمى حُبُّ عبدِ اللهِ فينا فأينعَت

لهُ في رُبى أفراحِنا الثَّمَراتُ

كقطرِ النَّدى والفجرُ يَبسُطُ ريشَهُ

على روضةٍ أزهارُها عطِراتُ

تدفَّقَ في أرواحِنا فجرُ حُبِّهِ

وسالَ النَّدى وابتلَّتِ الورقَاتُ

كنُورِ قيامِ اللَّيلِ في وجهِ صالحٍ

لأوسمةِ التَّقوى عليهِ سماتُ

أطلَّ إِمامُ المسلمينَ بوجهِهِ

وفيهِ سلامُ اللهِ والبركاتُ

رأيناهُ فينا سالـمًا بعدَ غيبةٍ

كوتنا بها الأشواقُ والحُرُقاتُ

ففارَ بنا في الأرضِ تَنُّورُ حُبِّهِ

وغصَّت بنا في ساحِها الجنباتُ

منَ البحرِ حـتى البحرِ بحرُ محَبَّةٍ

بنا زاخرٌ أمواجُهُ النَّبَضاتُ

فكيفَ أُغَـنِّي والمعَاني تهدَّمت

أمامَ مجاري سيلِها الكلماتُ

وكيفَ أُوَفِّي مشهدَ الحُبِّ وصفَهُ

وفيهِ معانٍ ما لَهُنَّ صِفَاتُ

فبينَ إِمامِ المسلمينَ وشعبِهِ

منَ الحُبِّ نَوعٌ آخرٌ ولُغاتُ

كلَذَّةِ برِّ الوَالدينِ، كساعةٍ

منَ العُمرِ فيها تُقبلُ الدَّعَواتُ

كدعوةِ أُمٍّ هزَّها من منامِها

إِلى اللهِ حُبُّ اللهِ والصَّلواتُ

معَ ثُلُثِ اللَّيلِ الأَخِـيرِ لعينِها

مواعيدُ حُبٍّ وصلُها العـبراتُ

كشوقِ أبٍ قد غرَّبتهُ فأَبحرَت

بهِ عن بُنَيَّاتٍ لهُ الخَطَراتُ

كلهفتِهِ حينَ التقاهُنَّ وارتوت

منَ الـمُلتَقَى أشواقُهُ النَّهِماتُ

كطعمِ أذانِ الفَجرِ في أُذنِ مَكَّةٍ

وقد هفهفت من حولِهِ النَّسَماتُ

وتلكَ معانٍ ليسَ يبلغُ وصفَها

بَليغٌ وتفـنى دُونَها الـمَلَكاتُ

كمَا فنِيَت أحزانُنا حينَ شرَّقَت

منَ الـمغرِبِ الأَقصى بهِ النَّفَحاتُ

فَلِلَّهِ يومُ الأربِعاءِ فإِنَّهُ

بهِ كلُّها الأَيَّامِ مُندَهِشاتُ

بهِ أشرقَت شمسانِ: شمسٌ هيَ الهُدى

وأُخرى هيَ الرَّمضاءُ واللَّفَحاتُ

إذا بدَتا لاحت على كُلِّ مُقلةٍ

صِفاتٌ منَ الشَّمسينِ مُشتركاتُ

فأولاهُما يُجلَى الضَّلالُ بنورِها

وأُخراهُما تُجلَى بها الظُّلُماتُ

وإن غابتا بانَت فُروقٌ كثـيرَةٌ

بها يومَ تُتلى تُعرَفُ الدَّرَجاتُ

فذا الشَّمسُ إِن غابت أَتى اللَّيلُ بعدَها

وفيهِ سُكُونٌ فاتِنٌ وسُباتُ

وإن غابَ عبدُ اللهِ فالـهمُّ والضَّنى

وكربٌ بهِ الأحزانُ مُنهمِراتُ

وعادَ فغيضَ الـهمُّ عنَّا وأقلعت

سماءُ الضَّنى وانزاحتِ الكُرُباتُ

إِلى وطنِ الأشواقِ عادَ أبٌ لهُ

منَ الـبِرِّ أبناءٌ بهِ وبناتُ

فمدَّت رياضُ العِشقِ أهدابَ عينِها

لأَقدامهِ فاخضرَّتِ الطُّرُقاتُ

إمامٌ شُعُوبُ الأرضِ تحسُدُ شعبَهُ

عليهِ وتستشري بها الحسراتُ

إمامٌ مُلوكُ الأرضِ تحسُدُهُ على

رعاياهُ: قومٌ صادقُونَ ثِقاتُ

ولا عجبٌ أن يحسُدُونا فربُّنا

لهُ نِعَمٌ تـترى هُنا وهِباتُ

رأوا قائدًا كالقلبِ في جِسمِ أُمَّةٍ

على نبضِهِ الأعضاءُ مُؤتلِفاتُ

فكم حاسدٍ يُخفي براكينَ غِلِّهِ

وقد فضحَت أحقادَهُ النَّظراتُ

نراهُ كأنَّا لا نراهُ، فعندَنا

إِذا ما حُسِدنا، رُقيةٌ ورُقاةُ

تُعوِّذُنا باللهِ أربعُ: مكَّةٌ

وطيبةُ والقُرآنُ والقُرُباتُ

وتلكَ لعمرُ اللهِ أمجادُ سيِّدي

بها تُشرقُ الأقلامُ والصَّفحاتُ

إِمامٌ لهُ تدعُو مِـنى كُلَّ حَجَّةٍ

وتقنُتُ حُبًّا أُختُها عَرَفاتُ

فترفعُ كفَّيها مآذِنُ طيبةٍ

وقـبرُ رسُولِ اللهِ والحُجُراتُ

إِمامٌ لهُ يُدعَى على كُلِّ منـبرٍ

وتُحيا بهِ الأعيادُ والجُمُعاتُ

إِمامٌ بعزِّ اللهِ ثُمَّ بعزِّهِ

تُصانُ حدودُ اللهِ والحُرُماتُ

وفرَّقَ بينَ العالمينَ حياتَهُ

لِيُجمعَ صفٌّ أو يُلَمَّ شَتاتُ

سِوى التَّوأمِ الملصوقِ فرَّقَ شملَهُ

لِيَحيا وفي بعضِ الفِراقِ حياةُ

بهِ أُمَّةُ الإسلامِ قد شُدَّ ظهرُها

فَصُدَّت بهِ عن وجهِها النَّكَباتُ

فإِن وَهَنَت للهِ فَقراتُ ظَهرِهِ

ففِي ظهرِها من عُمرِهِ فَقَراتُ

وإِن فَنِيَت للهِ أَيَّامُ عُمرِهِ

فساعاتُهُ في عُمرِها سنوَاتُ

وإِن راحَ يَستَشفِي هُناكَ فَطالـَما

بهِ شُفِيَت أَعوامُها الدَّنِفاتُ

طبِيبٌ لأمراضِ الزَّمانِ مُجرَّبٌ

لِكُلِّ عُضالٍ عندَهُ وصَفاتُ

يُدَاوِي جُنُونَ الـمَارقينَ بِسيفِهِ

هُوَ الطِّبُّ إِن لـم تُفلِحِ الجُرُعاتُ

ويَشفي منَ الفقرِ الـقديمِ بجودِهِ

فيمناهُ فِيها دجلةٌ وفُراتُ

كذلكَ حالُ الغيثِ: برقٌ وغيمةٌ

وأشياءُ أُخرى فيهِ مُدَّخَراتُ

كما ادُّخِرَت فينا لِلُقيا إِمامِنا

وقد عادَ والأَفراحُ مُزدَهِراتُ

هدايا لِعَبدِ اللهِ أبها تزُفُّها

وفيها رياحينُ الرُّبـى عَبِقاتُ

ويضمنُها باللهِ عنَّا أميرُنا

وماضٍ لنا عزَّت بهِ الوقفاتُ

ولاءٌ وإِخلاصٌ وسمعٌ وطاعةٌ

وصدقٌ وعهدٌ راسخٌ وثباتُ

على بيعةٍ معقُودةٍ في رقابِنا

كما ثبتَت من تحتِنا السَّرَواتُ

وحبٌّ جنوبيٌّ يُضَاعفُ مثلَما

تُضاعفُ في أُمِّ القُرى الحسناتُ

1432هـ، أبها