درَّةُ الأقصى

إلى والد الشهيد محمد الدرَّة، رحمه الله

أمامَ عينيكَ ماتت فِلذَةُ الكبدِ

وفارقت قلبكَ الحاني إلى أَمَدِ

وبينَ أحضانِكَ استلقت معانقةً

رضاك قبلَ فراقِ الرُّوحِ للجسدِ

وهبتَها في سبيلِ الله محتملًا

فراقَها باحتسابٍ منكَ منعقدِ

في صفقةٍ بُعثَت سوقُ الجهادِ بها

وليس في ربحِها واللهِ من أودِ

بدُرَّةٍ كنتَ للأيامِ تذخرُها

سلَّمتَها المسجد الأقصى يدًا بيدِ

مكنونةً، في جفونِ الخلدِ مسكنُها

ما أربح البيعَ عند الواحدِ الأحدِ

بمثلِ ذا يستديمُ الدرُّ قيمتَهُ

بمثلِ هذا يكون البرُّ بالولدِ

يا دَّرةَ المسجدِ الأقصى وقد دُفِنت

بمثلِ موتك دَرَّت حرقةُ الكمدِ

أحيا مماتُكَ فينا نخوةً وُئِدت

حتى كأنَّ صلاحَ الدينِ لم يلدِ

حللتَ قبرَكَ يا ابنَ القدسِ فانبعثَت

من قبرِها وعليها حلَّةُ الجلدِ

في الناسِ تبحثُ عن أنباءِ (معتصمٍ)

أو جندِه بينَ مليارٍ فلم تجدِ

عن سيفِ خالدَ، عن زنديهِ، عن يدِهِ،

عن إصبعٍ منهُ، في المليارِ، أو عضدِ

فلم تجد غيرَ فِهرٍ تحتَ أرجلِها

فأجَّجته جحيمًا غيرَ منخمدِ

إنَّ المدافعَ من سومِ المقالعِ قد

تصحَّرت وعليها وابلُ المددِ

فمدفعٌ عند (خنزيرٍ) يلوذُ بهِ

يذلُّ من مِقلَعٍ في حوزةِ الأسدِ

إنَّ المقالعَ والأحجارَ قد كشفت

قناعَ أمَّتِنا عن وجهِها الهَمِدِ

العربُ نحنُ هنيئًا ليسَ يحسُدُنا

على سوى نفطِنا واللهِ من أحدِ

محسَّدون على ما تحتَ تربتِنا

وما على ظهرِها داعٍ إلى الحسدِ

نحنُ الذكورُ وَلُوداتٌ حرائرُنا

ونصرُنا سوفَ يأتي بعدَ كلِّ غدِ

مليارُنا ملأَ الدُّنيا بذلَّتِنا

وعلَّم الكونَ أنَّا أمةُ الزبدِ

مُقَبِّلَ الكفِّ من شمطاءَ كاسيةٍ

ملأى بحقدٍ على الإسلامِ محتشدِ

وناثرَ الدمعةِ الحرَّى مودعةً

(رابينَ) والدَّمعُ يحكى حرقةَ الكبدِ

نكَّستُ طرفي حياءً، كيف أرفعُهُ

وأنتَ في مقلةِ الإسلامِ كالرمدِ

نادِ الحشودَ ودع بعثَ الوفودَ فلن

يفي اليهودُ بما صاغوه من فندِ

فاللهُ أخبرَ (لن ترضى اليهودُ ولن

ترضى النصارى) وقولُ اللهِ معتقدي

ها نحنُ نلهثُ خلفَ السلم تحملُنا

حمامةٌ هرمت من سالفِ الأمدِ

إني لأخجلُ من نفسي وأُخجِلُها

في همسِ منفردٍ يشكو لمنفردِ

أذلُّ والمتنبي خافقٌ بدمي

وعزةُ الدينِ والأحسابِ في خلدي

إنَّ الحياةَ التي تبدي الجفاءَ لنا

لولا الشريعةُ ما قامت على عمدِ

ألم يكن جذرُها من عذبِ موردِنا

يُسقى ويبدو بنا وجهُ الحياة ندي

دارت علينا رحى الأيامِ صادقةً

أليسَ ذلكَ يا دنيا من النكدِ؟!

صبرًا فلسطينُ، ما دارت مؤامرةٌ

كما أديرت على أقصاكِ في بلدِ

يا شعبَنا الحرَّ في مسرى محمدِنا

العزُّ سكبُ الدِّمى في مربطِ الرشدِ

أحجارُكم كعصا موسى وقد لقفت

إفكَ العدا وضلالَ النفثِ في العقدِ

إنَّ اليهودَ وإن كانَ البداءُ لهم

فقد أخذنا ختامَ القومِ بالسندِ

أو كان (باراكُ) في الأقصى طغى وبغى

فإنَّ ربَّك للطغيانِ بالرصدِ

حمالةُ الحطبِ اغترَّت بفعلتِها

فكانَ في جيدِها حبلٌ من المسدِ

أنتم على صفحاتِ العزِّ ملحمةٌ

ونحنُ بينَ جفونِ الذلِّ في رغدِ

نشكو قلوبًا قد اخضرَّ النفاقُ بها

وليس من قلَّةٍ في المالِ والعددِ

ما كلُّ شَعرٍ يغطى هامةً عظمت

وإن تشابهتِ الألوانُ باللِّبَدِ

وربما أخرجَ المولى لنصرتِكم

جيلًا صَمودًا بإذنِ القاهرِ الصمدِ

جيلًا يوحِّدُ باسمِ اللهِ رايتَنا

ويجعلُ الغاصبَ الملتمَّ في بددِ

بمؤتةٍ يستلذُّ الموتَ مبتسمًا

ويرشفُ النصرَ من بدرٍ ومن أحدِ

1421 هـ، أبها