أرباض المعالي

ألقيت في حفل الوداع الذي أقامه سمو أمير منطقة عسير، لأخي الذي لم تلده أمي الأستاذ محمـد بن ناصر بن لبدة، وكيل الإمارة آنذاك، بمناسبة صدور قرار سمو وزير الداخلية بتمديد خدماته، وتعيينه وكيلا لإمارة منطقة الحدود الشمالية، وفي القصيدة استحضار لموقف معالي المستشار بالديوان الملكي الفريق أول فيصل بن عبد العزيز بن لبدة، من مثيري الشغب في المشاعر المقدسة في حج عام 1407ه، وقد كان حاضرًا في هذا الحفل:

إلى العلياءِ أسرجتَ الكِفاحا

وأعددتَ الرَّجالَ لهُ سِلاحا

وكنتَ إمامَهم في كلِّ بأسٍ

تصولُ بهِ غُدُوًّا أو رَواحا

وأنعلتَ الطموحَ حَلالَ مالٍ

غدا الدَّربُ العسيرُ به بَراحا

وسيَّجتَ الحياةَ بسُورِ عدلٍ

فما أبقيتَ فيها مُستباحا

بهِ عمَّرتَ في البلدانِ عِزًّا

وفي الأبدانِ أمنًا وارتياحا

فهذي الخمسُ أرباضُ المعالي

بها الأمجادُ تُكتسحُ اكتساحا

فكيف إذا غدا الإيمانُ رُوحًا

تُجلِّلها وقارًا وانشراحا

وحبُّ اللهِ يملؤُها يقينًا

وينشرُ في مباهجِها السماحا

ومنهجُ سيِّدِ الثقلينِ غيثٌ

عليها يَسكُبُ الحَقَّ القَراحا

بذا عبدُ العزيزِ قُبيلَ قَرنٍ

أناخَ لنهضةِ الوطنِ الرِّياحا

بصدقِ توكُّلٍ من قلبِ ليثٍ

إذا ما همَّ يجتاح اجتياحا

بنى بالأربعينَ كيانَ مَجدٍ

يكادُ يكونُ مِعجزةً صُراحا

فكم من مقسِمٍ باللهِ إنَّا

حشونا قولَنا كذبًا بَواحا!

فكيفَ لأربعينَ على جِمَالٍ

ولو حملوا سُيوفًا أو رِماحا

إضاءَةُ شمعةٍ في قلبِ نجدٍ

غدَت كالشمسِ تفترعُ الفِساحا

وقد غمرَ الجزيرةَ موجُ ليلٍ

يضلُّ بهِ القَطا فيها صَباحا

وللحلفاءِ في الآفاقِ نارٌ

يزيدُ لظى جهنَّمِها جِماحا

وما عرفوا التوكُّلَ كيف يغدو

عرينُ المستحيلِ بِهِ مُباحا

وما علموا بأنَّ الصبرَ تهمي الـ

ـــبشائرُ في معيَّتهِ سَحاحا

وأنَّ من الذُّكورِ رِجالَ صِدقٍ

لهم قد سخَّر اللهُ الفَلاحا

بهم دُورُ الفضائلِ عامراتٌ

وسوقُ العزِّ مترعةٌ رَباحا

وكم في آل لِبدةَ مِن مِثالٍ

بهِ ما قُلتُ يتَّضح اتضاحا

وهل تنسى المشاعرُ لابنِ سَعدٍ

وقد ركِبَ المجوسُ بها السِّفاحا

تلهُّبَ غضبةٍ من قلبِ حُرٍّ

لأجلِ اللهِ يستحلي الجِراحا

رأى حِقدًا مجوسيًّا عقورًا

أحلَّ ذِمامَ مكةَ واستباحا

فأرسلَ “خِلْجَت أمُّ اللاشِ” أمرًا

وأفتى في القِتالِ بـ “لا جُناحَا”

فطهَّرَ ثوبَها من كلِّ رِجسٍ

وأطلقَ لابتسامتها السَّراحا

وتكبيرُ الحجيجِ له ضجيجٌ

يهزُّ جبالَ مكةَ والبِطاحا

كما ضجَّت محايلُ حينَ أضحى

لها صدرُ الكرامةِ مُستراحا

وقد سطَرَت دمَ الشهداءِ عُرسًا

بهِ فَرَحُ المجوسِ غدَا مَناحا

لها اخترتَ ابنَ لِبدةَ من سُيوفٍ

كلَمعِ البرق تنقدحُ انقداحا

فما شربَت بهِ إلا الـمَعالي

ولا طعِمَت بهِ إلا النَّجاحا

وأضحى في عسيرَ لكُم يَمينًا

بها تبني التَّسامُحَ والصَّلاحا

فعانقَ في رحابِكَ كلَّ عزٍّ

وعنكَ روى عزائمَك الصِّحاحا

بِهِ أهديتَ للوطنِ الـمُفدَّى

عُقابًا في العُلا بَسَطَ الجَناحا

صحبتُ شموخَه فعلوتُ حتى

لبستُ الجديَ والشِّعرى وِشاحا

وجئتُ قصيدةً خضراءَ تسعى

نظمتُ بها البنفسجَ والأقاحا

أودِّعه وقد هتفَت شَمالًا

بهُ الأمجادُ جِدًّا لا مِزاحا

فلا زالَت لهُ الأيامُ تُبدي

على حُبٍّ مباسمَها الـمِلاحا

1442هـ، أبها