أين الرجال؟

على إثر صدمة فضائح الفظائع التي ارتكبها جنود الاحتلال بحق الأسرى العراقيين في سجن أبو غريب في بغداد، وهزت العالم شعوبًا وحكومات.

الـبرُّ والبحرُ والأجواءُ والأفقُ

موبوءةٌ ورحابُ الكونِ تختنقُ

علا الغبارُ فعينُ الشمسِ كاسفةٌ

كئيبةُ الوجه خجلى خانها الألقُ

ما عادتِ الأرضُ تلقاها بأنديةٍ

ولا يكحِّلُ أهدابَ السما الشَّفَقُ

تعكَّرَ الصفوُ في وجهِ الضياءِ فما

تراهُ إلا وفي أحداقِهِ الرَّهَقُ

تلوَّثَ الوقتُ ما عادت أصائلُهُ

يحلو صَباها لمن هاموا ومن عشقوا

ولا تطيبُ بنا الأنسامُ في سحرٍ

ويأنفُ الصبحُ أن نحياهُ والغَسَقُ

الوقتُ يهرُبُ والدنيا تلاحِقُهُ

سكرى وأقدامُها في الوحلِ تنزلقُ

والأرضُ مخمورةٌ والسحبُ ملتثمٌ

من نَتنِها ونجومُ الكونِ تحـترقُ

جثا الوباءُ على أنحاءِ كوكبِنا

ومن شرايينِه الأدواءُ تنبثقُ

حُمَّت بفـيروسِ (أمِّ الداءِ) أربعُها

الشرقُ والغربُ والأعماقُ والطبقُ

فبالبحارِ دوارٌ والجبالُ بها

ضجَّ الصُّداع وفي بيدائِها بهقُ

داءٌ ألـمَّ بهذي الأرضِ مُستعِرٌ

يغزو جميعَ خلاياها ويخـترقُ

لا داءَ في الأرضِ إلا طُغمةٌ أَلِفت

هدمَ الحضاراتِ، كما باقوا! وكم سرقوا

ولا دواءَ سوى داعٍ يخوضُ بنا

بحرَ الجهادِ، فأينَ البارِعُ الحَذِقُ

أينَ الرجالُ إذا ما أرعدوا برقوا

وأمطروا، وإذا ما عاهدوا صدقوا

أينَ الرجالُ جنودُ اللهِ إن لمحوا

شَهدَ الشهادةِ، منها أُطعموا وسُقوا

رؤوسُهم لسوى الرحمنِ ما خضعت

ووحَّدوهُ فما ذلَّت لهم عُنُقُ

هل أجدبَت غـيرةُ الأعراضِ في دمِنا

وهل تخنَّث فينا الخَلق والخُلُقُ

وهل تقطَّعتِ الدنيا بعزتِنا

غدرًا وهل خذلتها نحونا الطُّرُقُ

ما زلت أسألُ يا بغدادُ في حزنٍ

مليارَنا غـيرَ أنَّ القومَ ما نطقوا

مُدَّت إليهِ صِحَافُ الذلِّ مترعةً

الغدرُ فيها والاستخذاءُ والفَرَقُ

زادٌ لمليارِنا من حولِهِ حِلَقُ

ولذَّ مصطَبَحٌ منهُ ومغتبقُ

نقتاتُ بالعارِ ممسانا ومصبحَنا

نهـمى، و(ينعشُنا) النَّعنَاعُ والحبَقُ

من قبلُ لم نتفق يومًا على زنةٍ

واليومَ في محفلِ الإذعانِ نتَّفقُ

العربُ نحنُ، شتاتٌ، لا يوحِّدُهُ

سوى الخيانةِ، نذكيها، ونفـترقُ

بغدادُ إني لتُكوى داخلي حُرَقُ

مـني، ويقلقُ بي في جوفِهِ القلقُ

شرُّ الزمانِ زمانٌ يشتكي ظمأً

فيهِ الفراتُ، ويضني دجلةَ الرمقُ

كنَّا نظنُّ فحولَ البعثِ منجبةً

تـنزوا فتحبَلَ من إيمائِها الخِرَق

واليومَ ها قد بدت للناسِ عورتُهُ

هتكًا، وسروالُهُ من تحتِهِ مِزَقُ

ها قد بدى البعثُ خنـثى، أمه شقيت

بخبثِهِ منذ وافاها بهِ الطَّلَقُ

أينَ الفحولةُ يا صحَّافُ هل قُرِضت

عروقُها، وتتالت نحوَها البُصَقُ

تركتَ عرضَكَ مبذولًا يعيثُ بِهِ

وأنتَ تنظُرُهُ عِلجٌ ومرتزقُ

كتبتَ بالعارِ يا صحَّافُ ملحمةً

بها ستلعنُكَ الأقلامُ والورقُ

أتلعقُ الذلَّ بغدادُ الرشيدِ وفي

ترابها العزُّ والأمجادُ والعَبَقُ

ألم تكن زهرةَ الدنيا وزينتَها

يفوحُ من وجنتيها المسكُ والعرَقُ

وأنجبت شاعرَ الدنيا فسادَ بها

حـتى كأنَّ ملوكَ الشعرِ ما خُلقوا

ما زالَ ينفثُ سِحرًا من سحائبِهِ

حـتى اشتكى النهرُ أن يجتاحَهُ الغَرَقُ

سحرٌ به بابلٌ في أرضِها سُحِرَت

وأوشكت إرمُ التاريخِ تنفلقُ

يا سيدي لو ترى بغدادَ باكيةً

عجزًا، وترمُقُها بالرحمةِ الحدَقُ

يا سيِّدي لو تراها إذ أناخَ على

ضريحِ عزِّكَ فيها القهرُ والحُرَقُ

ولو تراني وعندي كلَّ طاغيةٍ

من المهمَّاتِ في الجنبينِ تصطفقُ

قلبٌ تواسيهِ حزنًا في مصيبتِهِ

عينٌ تربَّعَ في أهدابِها الأرقُ

لكنَّ للنصرِ ميعادًا وأمتَنا

أنا وأنتَ بنصرِ اللهِ كم نثقُ !

1426هـ، أبهـا