البراء

في تعزية أخي د. محمد بن علي الحازمي في ابنه البراء، رحمه الله، مات شابًّا بعد أن أتم حفظ كتاب الله.

على قَدرِ المحبَّةِ الابتلاءُ

“فَطِب نفسًا فقد حُمَّ القضاءُ”

أَحَبَّكَ فابتلاكَ اللهُ بلوى

بها عن حبِّكم كُشِفَ الغِطَاءُ

فلا تُرِيَنَّ ربَّكَ غيرَ حمدٍ

على البلوى وإن مَاتَ الـبراءُ

فإنَّ عظيمَ فضلِ الله يُرجَى

لأهلِ الصِّبرَ إِن عظُم البلاءُ

وإن يكُ آخذًا يومًا حبيبًا

فعادتُه مدى العُمرِ السَّخاءُ

وشكرُكَ حينَ يأخذُ شكرَ راضٍ

لمن أعطى الجزيلَ هو الوفاءُ

فكن في قبضةِ (البأساءِ) شكرًا

كيومِ يمدُّ راحتَهُ (الرَّخاءُ)

تعزَّ أبا البراءِ بحكمِ عدلٍ:

(لغيرِ اللهِ ما كُتِبَ البقاءُ)

ولو كُتِبَ البقاءُ لأهلِ تقوى

لـخُلِّدَ في الحياةِ الأنبياءُ

ولو شُرِي البقاءُ بُحُرِّ مالٍ

لأفـنى المالَ فيهِ الأثرياءُ

تأمَّلتُ (الـثَّراءَ) فكانَ أدنى

وأقربَ ما يشاكلُهُ (الرِّثَاءُ)

وقلَّبتُ الأمورَ بكلِّ وجهٍ

فألفيتُ (الغَنَاءَ) هو (العَنَاءُ)

فإن تطلُب لداءِ الموتِ طبًّا

فصبرُ الصَّابرينَ هو الدَّواءُ

كأنِّي بالبراءِ بـ (طابَ قـبرٌ)

لهُ في مدِّ نظرتِهِ فِنَاءُ

وقد ألفى كتابَ اللهِ خِلًّا

فأزهرَ بينَ أضلعِهِ الضِّياءُ

فآنَسَهُ ودارَسَهُ وطابت

لهُ الدَّارُ الفسيحةُ والسَّناءُ

وخـيرُ مؤانسٍ في كلِّ حينٍ

كتابُ اللهِ، أنبأني حِرَاءُ

أتيتُكَ والـبراءُ وربِّ قلبي

بِهِ والطَّيبُ الزاكي سواءُ

ولو أنَّ الـبراءَ فدتهُ نَفسٌ

لكانَ إليكَ من نفسي الفِدَاءُ

يُجمِّعُ بينَ روحينا حنينٌ

يقصِّر عن معانيهِ الإخاءُ

فإن تَرَ صابرًا مـنِّي فإنِّي

أريكَ الصَّبرَ، إذ خَفِيَ الخَفَاءُ

بكى قلـبي وذاكَ هو البكاءُ

بدمعٍ عنكَ يحجبُهُ الحياءُ

ودمعٌ في خدودِ القلبِ أنكى

وإن ظهرَ التَّجَمُّلُ والإباءُ

فسافحُ دمعِ عينيهِ جهارًا

سيُخمدُ نارَهُ، فالدمعُ ماءُ

ودمعُ القلبِ يذكيها اتِّقَادًا

وينفُخُ في مواقِدِها المساءُ

أُخَيَّ ونحنُ متَّحدانِ حُزنًا

أليسَ اللهُ يفعلُ ما يشاءُ

تأمَّل طِيبَ سيرتِهِ تجدها

وإن عظُم المصابُ هي العَزاءُ

فـتى في طاعةِ الرَّحمن مرَّت

(سنينُ) حياتِهِ وهي النَّقَاءُ

وشبَّ لِداتُهُ في كلِّ أرضٍ

وهَمُّهُمُ التَّنَعُّمُ والهُرَاءُ

وشَبَّ فشبَّ والقرآنُ يهـمي

هدىً لشبابِهِ منهُ ارتواءُ

فإن سبقت إليكَ بهِ المراثي

فأصدقُ من رثى الميتَ الدعاءُ

إذا مَا نفسُكَ ادَّكرت فجاشت

فضاقت ثمَّ ضاقَ بها الفضاءُ

فأَشرِع راحتيكَ إلى كريٍمٍ

على العرشِ العظيمِ لهُ استواءُ

على المكروهِ يُحمَدُ والرَّزايا

وفي كلِّ القضاءِ لهُ الثَّنَاءُ

وقُم في غُرَّةِ السَّحَرِ ابتهالًا

وحسنُ الظَّنِّ جاهُك والرَّجَاءُ

وقل: يا من أخذتَ حبيبَ قلـبي

ومن بحياتِهِ كان الهَنَاءُ

ألا فاجعل لهُ الفِردوسَ دارًا

مطوَّلةً لهُ فيها ارتقاءُ

وعِضهُ من الشَّبابِ الغَضِّ عمرًا

بجناتٍ بها يَفـنَى الفَنَاءُ

وشَفِّعهُ إذا بُعِثَ البرايا

ليَجمَعَنَا بِهِ فيها اللِّقَاءُ

1425هـ، مكة المكرمـة