قبل سنتين تلقيتُ، مع عدد من المتخصصين في اللغة العربية، دعوة كريمة من سمو الأمير خالد الفيصل، إلى اجتماع غير رسمي، اختار له سموه أن يكون في شهر رمضان المبارك، وفي منزل سموه العامر.
تناولنا وجبة الإفطار، وصلينا المغرب، ثم اتجه بنا الأمير إلى مكتبته لعقد الاجتماع بها، وعند مدخل المكتبة وقف سموه أمام لوحةٍ مهيبةٍ، شكلًا ومضمونًا، كُتبت فيها ثلاثُ جملٍ بخطِّ الثلث الوقور:
اللغة تغترب
والعرب تحترب
والسعودية تلتزم بما يجب
قرأها علينا الأمير، ثم أكمل طريقه، وافتتح الاجتماعَ قائلا:
“جمعتكم لتفكروا معي في مشروع نوعي، له أثر واقعي، أقدمه للغة القرآن قبل أن أموت”
لا لن تموتَ فموتَى الحَقِّ أحياءُ وما طوى الخُلدُ جفنيهِ على بطلٍ غفا بفيصلَ جَفنُ الخُلدِ فانسدلَت ثمَّ انجلَت، وأتَت في الـمَهدِ تحملُهُ فعادَ يَصهَلُ في تاريخِ أُمَّتِهِ خمسونَ عامًا مضَت واللهِ ما أخَذَت مَمَاتُ هامتِهِ ميلادُ هِـمَّتِهِ فكم ربَت للعُلا في طِينِ مَدفنِهِ بجذعِها هَزَّت الأجيالُ فانهمرَت كأنَّما ذِكرُهُ الزاكي وسِيرتُه إليهما انتسبَت أمجادُنا فغدى يا فيصليَّ الـمعالي سَل أُجِبكَ ففِي أنا عسيرُ التي ألقَمتَ نهضتَها ملأتَها أمَلًا حتى امتلأتَ بها أنا حِكايةُ أجيالٍ أتيتَ وقد نفضتَ عنهم غُبارَ البُؤسِ فالتحفَت أنا معاناةُ “أبها” وهي جاثيةٌ غَزَلتَ شَعْرَكَ مُسوَدًّا لتُلبِسَها وابيضَّ وجهُكَ شَيبًا كي تُنيرَ لها فكلُّ شَعرةِ شَيبٍ تحتَ بارقِها وإنَّ أشرفَ شَيبٍ عندَ خالقِهِ يا شَيخَ أمِّ القُرى، يا بانيَ ابنتِها أبحرتَ منهُ مع أمِّ اللُّغَاتِ فلم بعثتَ سُوقَ عُكاظٍ من مَراقدِهِ وهِجتَ فيه هُيامُ الشِّعرِ أوديةً ولم يزل بك من أيامِها قلقٌ حتى ضربتَ لها في بحر غربتِها أجريت ذا الوقفَ نهرًا في حدائقِها فإن تسر في هجير الهجر هائمةً وإن دهَتها العجافُ السبعُ جائعةً فاهنأ بسابغِ فضلٍ قد هُديتَ لهُ إذ لم تدَع مِنبرًا إلا وقفتَ بهِ وقلتَ: يا قومِ أصغوا إنَّ صوتَ أبي يقولُ: يا لغةَ القرآنِ لا تئدي الـ يا كُفأَها الشهمُ سقتَ العُمرَ في يدِها قم بالثمانينَ عامًا في محبَّتِها إنِّي وقفتُ لها شيبي كشيبِ أبي |
أبها، الجمعة 15/5/1444هـ